اختتم هنا يوم الإثنين أسبوع من المناقشات العامة الرفيعة المستوى ضمن الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن تحدث كافة ممثلي الدول الأعضاء الـ193، وأعرب معظمهم عن تأييده لتعددية الأطراف.
وإلى حد ما، كانت هذه الدورة عبارة عن وقوف دونالد ترامب ضد العالم. وفي كلمته، التي جاء متأخرا عن موعدها، وضع الرئيس الأمريكي الأولوية للسيادة على حساب العولمة.
وقال إن "أمريكا يحكمها الأمريكيون، ونرفض فكرة العولمة، ونتمسك بمبدأ الوطنية."
وأضاف "في العالم، يجب على الدول المسئولة أن تقف بوجه التهديدات ضد السيادة، ليس ضد الحوكمة العالمية فحسب، بل بوجه تهديدات أخرى مثل الأشكال الجديدة للإجبار والهيمنة."
وقوبلت كلمات ترامب هذه برفض فوري من قبل زعماء العالم.
لقد قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيرزا ماي، عكس ما قاله تماما.
وبعد قليل من كلمة ترامب، قال ماكرون "لن أقبل أبدا بالتنازل عن مبدأ سيادة الشعوب، وتسليمه للقوميين أو لأولئك الداعين للإنغلاق والتراجع في العالم، ومن يريدون استخدام سيادة الشعوب لمهاجمة عالمية قيمنا."
من جانبها، قالت رئيسة وزراء بريطانيا "لقد رأينا ما الذي يحدث عندما تتحول الوطنية الطبيعية، وهي مهمة لمجتمع صحي، إلى شعبوية عدوانية، تستغل الخوف والقلق لتبث سياسات ذاتية فردية في الداخل ونزاعات عدائية في الخارج، وتسعى في الوقت نفسه إلى كسر القواعد وتهديد المؤسسات."
وأضافت "وأن العمل من أجل مواطنيك في الداخل، لا يتعين أن يكون على حساب التعاون والقيم بالعالم، واللوائح والأفكار التي تنظم ذلك."
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، أكثر سخرية من دعوات ترامب، حيث أشار إلى أن الهجوم على التعددية يظهر قصورا في فهم من يهاجمها.
وأضاف روحاني "أن مواجهة العولمة ليست دليلا على القوة، بل هي إشارة ضعف معرفي. وهذه المواجهة تظهر عدم الاستيعاب والفهم لعالم معقد ومترابط."
أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، فقد لقّنا ترامب درسا في الفلسفة.
قال ماس "لقد أظهرت أوروبا للعالم أن التعددية والسيادة لا تناقضان بعضهما البعض، بل على العكس، ففي عالم يواجه مشاكل جمة، لا يمكننا الحفاظ على السيادة إلا من خلال العمل معا."
وقال روته أيضا إنه لا تعارض بين العولمة والمصالح الوطنية، مؤكدا على "وأنا أؤمن بالتعددية البناءة، وأؤمن بقوة المبادئ وليس بمبادئ القوة، لتوجيهنا نحو مستقبل أفضل للناس جميعا."
وكان وزير الخارجية السنغافوري فيفيان بالاكريشنان، قد طرح وجهة نظر مماثلة قائلا إن الدول الصغيرة، مثل بلاده، لن تستطيع العيش في عالم خال من نظام قائم على أساس القواعد.
وقال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إن الالتزام بالقواعد المتفق عليها من قبل كافة الدول ليس ضروريا للاستقرار بالعالم وإدارة شئونه المشتركة فحسب، بل يتحلى بأهمية خاصة لدول صغيرة مثل سنغافورة."
وأضاف "إن المبدأ الداعي لاحترام وتطبيق الاتفاقيات، ضروري جدا لبقائنا. وبدون حكم القانون، سيفعل القوي ما يريد، وسيعاني الضعيف ما يعانيه. ولن تستطيع الدول الصغيرة مثل سنغافورة، البقاء في عالم كهذا."
ومن المواضيع الساخنة الأخرى في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73 هذا العام، موضوع تغير المناخ. حيث جدد الكثير من زعماء العالم، تأكيد التزامهم بالعمل على كبح الاحترار العالمي، ولاسيما التزامهم باتفاق باريس لتغير المناخ، والذي انسحبت إدارة ترامب منه العام الماضي.
قال الرئيس ماكرون "إنها حالة عاجلة، فدعونا نتمسك بالالتزامات التي تعهدنا بها."
وأضاف "علينا أن لا نوقع أية اتفاقيات تجارية لا تحترم اتفاق باريس، وعلينا ضمان أن التزاماتنا التجارية تتضمن التزاماتنا البيئية والاجتماعية. ولنعمل على تعزيز الاستثمارات بالصناديق السيادية، لتمويل استراتيجية سياسة منخفضة الكربون."
وكانت دعوات الدول الجزرية الصغيرة، المهددة في وجودها بسبب الاحترار العالمي، ذات أهمية خاصة.
فقد قال رئيس وزراء ساموا، تويلايبا ماليليغاوي، أمام الجمعية العامة "نقول بصراحة، إن تغير المناخ يمثل التهديد الخطير الأول للدول الجزرية الصغيرة النامية، مثل ساموا، وهو خطر ليس لنا يدٌ فيه. وهناك حاجة فعلية وعاجلة للتحرك الفعال لتخفيف آثار تغير المناخ."
وأكد على "أن آثار التغير المناخي تزداد سوءا يوما بعد يوم، ولا يوجد بلد بمفرده أو حتى مجموعة معينة من الدول، ولا منظمة بعينها، يمكنه الانتصار بالمعركة ضد التغير المناخي، والأمر يتطلب منا بإلحاح أن نعمل معا."
لقد دق الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش، ناقوس الخطر إزاء تغير المناخ، وقال في كلمته في بداية المناقشات العامة، أمام قادة العالم "لقد بلغنا لحظة حاسمة. وإذا لم نغير مسار تحركنا في غضون سنتين، فسنخاطر كثيرا في هذا الصدد."
وبمشاركة 77 رئيس دولة و44 رئيس حكومة، تعتبر مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، أكبر تجمع حتى الآن، لزعماء العالم. ولكن انعزالية الولايات المتحدة، اللاعب الدولي الرئيسي، سيكون لها أثر سلبي على العمل الجماعي للبشرية.