بكين أول أكتوبر 2018 /باعتباره يوما احتفاليا مهما بتأسيس الدولة أو نيلها الاستقلال، فالعيد الوطني يعد الرمز والذكرى لانتصار الكفاح الوطني بالنسبة لشعوب بلدان العالم كافة. وبالنسبة للصين التي عانت من العدوان وولايات الاستعمار وأصرت وثابرت في الماضي على طريق الثورة لأمد طويل، فثمة لحظة مجيدة ستظل خالدة في وجدان الشعب الصيني وشعوب العالم، إنها اللحظة التاريخية العظيمة المليئة بالعزة والكرامة التي أُعلن فيها من على منصة ميدان تيانانمن رسميا تأسيس جمهورية الصين الشعبية مع عزف النشيد الوطني ورفع العلم الوطني الأحمر ذي الخمس نجوم خفاقا إلى عنان السماء في أول أكتوبر عام 1949.
وبعد ذلك، شهد العالم إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين عام 1978، ثم تدفقت موجات متلاحقة من التغيرات وتحقيق ثروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، واستمرار النهضة والتقدم دون توقف منذ بداية القرن الجديد. وهنا ومن خلال عيون أصدقاء عرب وتجاربهم الشخصية، نقدم صورة لبعض هذه التغيرات التي شهدتها الصين في مختلف المجالات خلال هذه السنوات!
فقالت المصرية هالة أحمد التي تعمل في مجال الإعلام بالصين منذ 7 أعوام "إن الحياة في الصين تشهد في كل لحظة تطورا جديدا، وباتت التكنولوجيا تهيمن على الحياة لتجعلها أكثر راحة ومتعة وسرعة وإنجازا"، مضيفة "فبلمسة على تطبيق أليباي أو تطبيق ويتشات من على الهاتف المحمول يمكن للمرء في الصين أن ينجز كل ما يحتاج إليه في حياته اليومية مثل التسوق ودفع الفواتير والتنقل وتأجير الدراجات وتحويل الأموال وإجراء المكالمات وغيرها، لتعبر هذه التقنية عن إبداع صيني في هذا المجال".
وأشارت إلى أن التطور في الصين تستشعره حولك بدءا من الحى السكني الصغير وصولا إلى المناطق الرئيسية في المدينة، مؤكدة أن الأجانب الذين يعيشون في بكين يمكنهم شراء كل ما يريدونه من منتجات أجنبية في ظل توافرها في كافة المحال مع فتح الصين سوقها بشكل كبير أمام العالم، قائلة "لم أعد بعد الآن أحضر معى عند عودتي من العطلة في مصر الكثير من الجبن والسمك المملح والتوابل وغيرها... فكلها متوافرة في الصين بأنواع مختلفة بل وبجودة عالية".
وفيما يتعلق بالتطور العظيم في قطاع النقل الصيني، استرجعت هالة زيارتها للصين قبل 23 عاما قائلة "عندما جئت حينها لدراسة اللغة الصينية في بكين، توجهت في رحلة سياحية لعدة مدن بجنوب الصين واستغرقت الرحلة إلى هناك على متن القطار ثلاث ليال، أما الآن فلم يعد الأمر يستغرق بالقطارات فائقة السرعة ذات التكنولوجيا الصينية سوى بضع ساعات بل وعلى متن قطار أكثر راحة بكثير من ذي قبل، فتاريخ تطور صناعة السكك الحديدية في الصين صار مثالا مصغرا للتاريخ الطويل للتنمية الصينية. فالصين انطلقت من الصفر في صناعة السكك الحديدية لتغدو الآن قوة رائدة فيها.
ومن جانبه، قال الجمعي قاسمي الكاتب والمحلل السياسي التونسي "ثمة إجماع لدى غالبية المراقبين في العالم بأن الصين تشهد اليوم تغيرات هامة وواسعة وعميقة شملت مختلف المجالات والميادين"، مشددا على أنه خلال السنوات الخمس الماضية، نجحت الصين في تطوير المجتمع عبر تغيير نمط الحياة باتجاه تحسين حياة الشعب الصيني وصولا إلى بناء مجتمع حيوي يُتيح العيش في بيئة متوازنة وإيجابية تقوم على سعادة الأسرة والمواطن والاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي انعكس إيجابيا على صورة المواطن فيما يتعلق باهتماماته وأساليب عيشه، بدءا من نوعية المأكل والملبس ووصولا إلى بقية أنواع التفاعلات الاجتماعية ذات الصلة بالقيم الأخلاقية والعلاقات الإنسانية كالسفر والسياحة والتسوق،... إلخ.
وأشار إلى أنه على هذا الأساس، لم يعد مستغربا اليوم رؤية العشرات بل المئات من الصينيين في كبرى المطارات والأماكن السياحية والترفيهية في مختلف أنحاء العالم، دون إمكانية تميزهم عن بقية الشعوب الآسيوية الأخرى كثيرة السفر والإنفاق، أي اليابان وكوريا الجنوبية. فملابس المواطن الصيني أصبحت فاخرة وتحمل أسماء لامعة في عالم تصميم الأزياء، وعلامات وجهه باتت تعكس الراحة النفسية والاطمئنان.
أما شريف سلمان الطالب المصري المقيم في الصين ويدرس حاليا في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، فقال "جئت إلى الصين وأنا طفل بصحبة والدي وكبرت هنا وشاهدت كيف تطورت الصين على مدى عقدين من الزمان خاصة في السنوات الخمس الأخيرة بعد طرح مبادرة الحزام والطريق التي استفدت منها أنا شخصيا حيث حصلت على منحة دراسية من الحكومة الصينية لاستكمال دراستي في الجامعة".
وأعرب شريف عن انبهاره بالحياة التقنية في بكين وباستخدام الدراجة التشاركية حيث يمكنه التنقل بها من مكان لآخر بسرعة ويسر، وبخدمة الواي فاي المتوفرة تحت أعمدة الإضاءة التي تدار بالطاقة الشمسية في الطرقات العامة ببكين وكذلك بالقطار الطلقة الذي قصر المسافات بين المدن والمقاطعات الصينية. كما عبر عن إعجابه أيضا بالنظام والترتيب في البنوك والمؤسسات الخدمية الأخرى، متمنيا أن يصبح عندما يتخرج من الجامعة جسرا للصداقة وتبادل الخيرات بين شباب مصر والصين.
وبالنسبة لمحمد مازن، وهو صحفي يعمل ويقيم في الصين منذ 8 أعوام، تبدو التجربة ثرية ومليئة ببعض ألوان الإثارة، حيث يقول "أكثر ما يلفت الانتباه في الصين في السنوات الأخيرة هو التطور السريع في مشاريع البنية الأساسية. فبعد وصولي بـ٣ أشهر تقريبا فوجئت بإعلان الحكومة عن إضافة ١٠٠ كم جديدة لشبكة المترو وافتتاح ٤ خطوط جديدة في بكين عام ٢٠١٠. لم يكن هذا الخبر مثيرا بالنسبة لي فحسب، بل أظهر لي السرعة في الإنجاز كطبيعة تميز المجتمع هنا".
وأضاف أن "عدد خطوط المترو في بكين كان يساوي تقريبا عدد أصابع اليد الواحدة أو أكثر قليلا في سنة وصولي، والآن يصل عدد الخطوط في الخدمة إلى ٢٢ خطا و٣٧٠ محطة"، مشيرا إلى أن" التغيرات في الصين هائلة ومدهشة. فبكين على سبيل المثال، أصبحت مدينة ذكية دولية من الطراز الأول. ليس بكين فقط، بل مدن كثيرة أخرى مثل شانغهاي وقوانغتشو وتشونغتشينغ وهانغتشو وشنتش".
واعتبر مازن أن "أكثر ما يميز المجتمع الصيني طاقته الإيجابية التي تعتبر المحرك الأساسي وراء القفزات الكبرى التي قطعتها الصين خلال السنوات الـ40 الماضية منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978".
وبصورة شاملة، رأي محمد عثمان آدم رئيس إدارة العلاقات الخارجية ورئيس التحرير بوكالة السودان الرسمية للأنباء أن تقدم الصين واستقرارها هو نتيجة تخطيط سليم ومثابرة واجتهاد، لافتا إلى أهمية استفادة البلدان العربية من التجربة الصينية الناجحة في التنمية.
كما ذكرت الاء علي حمد مسؤولة إدارة العلاقات العامة بالمجلس القومى للصحافة والمطبوعات بالسودان أن تطور الصين خلال العقود الأخيرة مثير للإعجاب حقا، مشيرة إلى أن الجولات المتتالية من الإصلاح استطاعت تحسين مستوى معيشة الشعب وزيادة التعاون ذي المنفعة المشتركة نحو بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
وفي الواقع، عكست كل هذه الانطباعات الشخصية النابضة بالحياة جزءا من تفاصيل كثيرة تناولها الأصدقاء العرب حول أوجه تقدم وتطور الصين في السنوات الأخيرة، حيث ذكرت هالة في الختام أن "الصين هي حقا الحضارة الوحيدة في العالم الممتدة حتى الآن.. فهنا الحاضر والماضي والقديم والحديث يعيشان جنبا إلى جنب، وما يمكن أن يقال عما حققته الصين من إنجازات لا تكفيه مجلدات".