بكين 25 مايو 2018 /عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا أمس الخميس في مدينة سان بطرسبرج مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يزور روسيا ويحضر منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي. وتعد هذه الزيارة الثانية من نوعها لزعيم دولة أوروبية كبرى إلى روسيا، حيث كانت الأولى للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أيام.
ويرى المحللون أنه مقارنة بالعلاقات بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة التي شهدت خلافات كبيرة مؤخرا، ثمة تقارب نسبي في مواقف كل من روسيا ودول الاتحاد الأوربي وخاصة في مسألتي الاتفاق النووي الإيراني والتجارة؛ ومع أخذ الخسائر التي تكبداها على مدى سنوات جراء العقوبات المستدامة في الاعتبار، يبدى الجانبان رغبة في فتح باب الحوار مع بعضهما البعض انطلاقا من مصالحهما الذاتية حيث من المتوقع أن يعززا التعاون والتنسيق في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والأمن وملفات مثل إيران وسوريا وأوكرانيا.
-- زيارات وتفاعلات تتزايد مع الأيام
في أعقاب اجتماع ماكرون- بوتين أمس الخميس،تم توقيع بيان مشترك بين الإدارات الاقتصادية الفرنسية والروسية حول علاقات الشراكة الاقتصادية المستقبلية بين البلدين. وأعرب ماكرون عن اعتراف بلاده بدور روسيا في العلاقات الدولية بما في ذلك دورها في منطقة الشرق الأوسط، ورأي إمكانية التعاون في قضايا دولية هامة مثل أوكرانيا وإيران وسوريا. كما وعد ماكرون بالتوجه إلى روسيا لدعم المنتخب الفرنسي لكرة القدم في بطولة كأس العالم التي ستستضيفها روسيا في الشهر القادم حال وصول الفريق إلى نهائي البطولة، وبعقد اجتماع مع الرئيس بوتين مرة أخرى حينئذ.
وكان بوتين قد عقد في 18 مايو الجاري مباحثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مدينة سوتشي الروسية. وشدد الزعيمان على تأييدهما للإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني. وأشارت ميركل إلى أن الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا يصب في صميم المصلحة الإستراتيجية لألمانيا. وأكد الجانبان استمرارهما في دفع مشروع بناء خط أنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا "نورد ستريم 2" بغض النظر عن معارضة الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، التقى بوتين يوم الثلاثاء الماضي الرئيس البلغاري رومن راديف في سوتشي. وبعثت زيارة راديف إشارة إيجابية على حدوث تقارب في العلاقات الثنائية بعد سنوات من الركود والخلافات منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية بشأن القرم، حيث قال راديف إن بلغاريا ستسعي إلى دفع الحوار بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
وفي هذا الصدد، أشار المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إلى أن سلسلة اللقاءات الدبلوماسية المكثفة التي عقدها الرئيس بوتين مؤخرا تأتي من ناحية نتيجة المستجدات الجيوسياسية المعقدة، وتشير من ناحية أخرى إلى رغبة روسيا في تهيئة مناخ جيد لتطبيق خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد من خلال تطوير علاقات تقوم على المساواة والمنفعة المتبادلة مع البلدان الأخرى.
ويرى المحللون أن اتجاه الدول الثلاث - فرنسا وألمانيا اللتان تعدان من أهم أعضاء الاتحاد الأوربي وتحظيان بمكانة قيادية فيه؛ وبلغاريا التي سبق أن قطعت الحوار رفيع المستوى مع روسيا بسبب قضية القرم - إلى تعزيز التبادلات مع روسيا، يكشف عن اتجاه جديد داخل الاتحاد الأوربي يتمثل في إعادة التفكير في ترميم العلاقات مع روسيا.
-- إمكانات التعاون تلوح في الأفق
منذ بداية ولايته الثانية في 7 مايو الجاري، جعل بوتين من تحقيق تنمية ذات إنجازات كبيرة هدفا للسنوات الست المقبلة، ويسعي إلى دفع النمو إلى فوق المستوى العالمي المتوسط والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
ويرى المحللون أن الاضطرابات الجيوسياسية واستمرار العقوبات على روسيا وعدم استقرار الدخل من صادرات الطاقة باتت تشكل أكبر المخاطر التي تعترض طريق التنمية الروسية، وللتغلب عليها يطلب الأمر من روسيا تعزيز الحوار والتعاون مع الاتحاد الأوربي .
وعلى الصعيد الجيوسياسي، عارض كل من الاتحاد الأوربي وروسيا انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني. ومع كون هذا الاتفاق أفضل ثمار دبلوماسية الاتحاد الأوربي على مدى سنوات وعدم نجاح جهود ماكرون وميركل في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبقاء في الاتفاق رغم أنهما زارا الولايات المتحدة خصيصا لبحث هذا الأمر، تأتي كيفية دفع التفاعلات بين الأطراف المعنية بالاتفاق في المرحلة القادمة لتأمين الالتزام به ومن ثم حماية أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط تأتي في صلب المصلحة المشتركة لروسيا والاتحاد الأوربي.
وإضافة إلى ذلك، تعد مكافحة الحمائية التجارية الأمريكية وخاصة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم مهمة مشتركة ملحة لروسيا والاتحاد الأوربي. فقد أشار بوتين قبيل انعقاد منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي إلى أنه من مهام المنتدى مناقشة كيفية تقوية استقرار الاقتصاد العالمي والارتقاء بكفائته، مضيفا أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، لا ينبغي السماح بأي إعاقة للتجارة متعددة الأطراف ولمجال الاستثمار، وينبغي رفع مستوى الثقة المتبادلة خلال تنفيذ المشروعات المشتركة الكبرى، حيث تعرب روسيا عن انفتاحها أمام هذا النوع من الشراكة.
وفي الواقع، أفادت التقارير بأنه في عام 2017، أصبحت روسيا رابع أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوربي وصار الاتحاد الأوربي أكبر شريك تجاري لروسيا. وتعتبر روسيا من مصادر الطاقة الرئيسية للاتحاد الأوربي وسوقا رئيسية لصادرات المعدات الميكانيكية الأوربية. وكان من المحتمل أن يوسع الجانبان إمكانات التعاون في مجالات مثل الاستثمار والمالية والطاقة إلى أبعد مدى لولا التأثير الناجم عن العقوبات الأمريكية على روسيا.
هذا وقد صرح المبعوث الروسي فلاديمير تشيزوف بأن روسيا تأمل في أن يدرك الاتحاد الأوربي أن العقوبات الأمريكية ستلحق الضرر بكلاهما على حد سواء، مؤكدا أن روسيا لم تغلق أي من قنوات التعاون وتسعي إلى توسيعها مع الاتحاد الأوربي في شتي المجالات.
ويرى المحللون أنه على خلفية اتساع هوة الخلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بسبب الاتفاق النووي الإيراني والتجارة، تطل العلاقات بين روسيا وأوربا التي شهدت ركودا على مدى سنوات على نافذة المرونة والتقارب حيث يحتاج كل منهما للآخر باعتبارهما من أهم الاقتصادات في قارتي آسيا وأوربا، مشيرين أيضا إلى أنه نظرا لوجود خلافات جيوسياسية بين روسيا والاتحاد الأوربي وآراء مختلفة داخل الأخير تجاه الأولى إلى جانب الضغوط الأمريكية، لا تزال العلاقات الروسية الأوربية تقف أمام عقبات عديدة.