ترجمة وتحرير: د. فايزة سعيد كاب
عادت أول حاملة طائرات صينية الصنع الى ميناء مدينة داليان بعد اكمال أولى تجاربها البحرية في الآونة الأخيرة، وقبل ذلك، شهد بحر الصين الجنوبي أكبر عرض بحري في تاريخ الصين الجديد، كما سجلت عدة أجهزة استكشاف اعماق البحار صينية الصنع سجلا جديدا في البحث والتطوير العلمي. ولأول مرة يوضح الكتاب الأبيض "سياسة الصين في القطب الشمالي" موقفها وأهدافها السياسية ومبادئها الأساسية ومقترحاتها السياسية الرئيسية للمشاركة في شؤون القطب الشمالي، مؤكدا على أن الصين دولة قريبة من القطب الشمالي جغرافيا، وصاحبة مصلحة أساسية ومهمة في شؤون القطب الشمالي. بالإضافة الى ذلك، بلغ اجمالي الإنتاج البحري في الصين عام 2017 أكثر من 7760 مليار يوان، 9.4 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك أكثر من 36 مليون شخص يعملون في البحر عبر جميع انحاء الصين. وفي سياق كل ما سبق، فإن الصين تتسارع في بناء قوى بحرية في العصر الجديد، وتمضي قدما في رحلة جديدة.
ويعتقد جيا شيو دونغ زميل باحث بالمعهد الصيني للدراسات الدولية أن الوعي البحري غير المسبوق في الصين خلف تسريع بناء القوة البحرية الصينية. وقد شهدت الصين فترة طويلة من ضعف الوعي البحري رغم موقعها الجغرافي الذي يطل على البحار والمحيطات بسبب هيمنة الحضارة الزراعية على المدى الطويل. لكن، اعتماد المستعمر الغربي على السفن لكسر بوابات الصين من البحر أيقظ الوعي البحري الصيني لمواجهة الدروس التاريخية القاتمة، وظهرت مجموعة من المفكرين الذين يدعو الى "الانفتاح لرؤية العالم"، إلا أن هذا الوعي البحري لا يزال محصورا في النمط التقليدي للدفاع على الساحل. مضيفا، أن الصين عملت بعد تأسيس الصين الجديدة جاهدة من أجل تحسين الحق في الكلام بشأن قضايا المحيطات والتخلص من الدفاعات السلبية وغير الفعالة. واقترحت لأول مرة في المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الهدف الاستراتيجي من بناء قوة بحرية، كما اقترح تقرير المؤتمر التاسع عشر الانتشار الاستراتيجي لتسريع بناء قوة بحرية. ما يدل على أن تسريع بناء قوة بحرية للدولة أصبح جزءا مهما من مكونات الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد.
واشار جيا شيو دونغ إلى أن الاسراع في بناء قوة بحرية ينبع من الدور المهم الذي باتت تلعبه استراتيجية البحار والمحيطات في المنافسة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الدولية. حيث عززت حقبة الملاحة البحرية الكبيرة التي بدأت قبل أكثر من 500 عام العولمة بالمعنى الحقيقي، وباتت البحار والمحيطات منذ دلك الحين تلعب دورا هاما في منافسة القوى العالمية. وبدخول القرن الحادي والعشرين، بصفته حزام التواصل للعولمة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي الاقليمي، أصبح البحر منصة هامة للتعاون والمنافسة في مجالات السياسة الدولية والاقتصاد والشؤون العسكرية والعلوم والتكنولوجيا على نحو متزايد، وأصبحت أعماق البحار والمناطق القطبية مجالات جديدة للمنافسة الاستراتيجية الدولية. والصين بلد المحيطات الكبرى، ما يجعل المحيط ضمانا هاما من المساحة والموارد لتحقيق التنمية المستدامة في الصين، وفي نفس الوقت، يمكن ان يكون أيضا مصدر للتهديدات المحتملة للفرص الاستراتيجية الصينية. من جهة، يحيط بالبر الرئيسي الصيني أكثر من 18 ألف كيلومتر من الخطوط الساحلية، وتنطوي الدعاوي البحرية على أكثر من 3 ملايين كيلومتر مربع من المياه، تعتبر فضاءا كبيرا لتنمية الاقتصاد البحري، وفي نفس الوقت، مهمة الدفاع عن المحيط ثقيلة للغاية. ومن ناحية أخرى، فإنه في ظل التطور السريع لاقتصاد الصين والانفتاح المستمر على العالم الخارجي، فإن التنمية ومصالح الامن الوطني الصيني تجاوزت البحار والمحيطات وتواصل التوسع في محيطات العالم، وأصبحت المصالح الخارجية جزءا مهما من المصالح الوطنية، كما باتت حماية أمن ومصالح البلاد الخارجية بارزة بشكل متزايد. ويمكن القول، أن بقاء وتطور الامة مرتبط بصعود وسقوط قضية البحار، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاح أو فشل بناء دولة اشتراكية حديثة وقوية في العصر الجديد.
كما يعتقد جيا شيو دونغ أن التسريع في بناء قوة بحرية يأتي اعتبارا للوضع العام للصين محليا ودوليا في العصر الجديد، وجاء تلبية لتحقيق هدف دبلوماسية الدول العظمى بخصائص صينية في العصر الجديد، ومنصة مهمة لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية والعلاقات الدولية الجديدة. وقد طرح شي جين بينغ مبادرة كبرى لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية بالتركيز على بناء العوالم الخمسة، بما في ذلك، عالم السلام الدائم وعالم الامن الشامل وعالم الازدهار المشترك وعالم مفتوح شامل، وعالم نظيف وجميل. ويمكن من خلال تسريع بناء القوة البحرية أن يتخذ الجانب الصيني إجراءات عملية لتعزيز شراكة المجتمع الدولي، والأمان والتنمية الاقتصادية والتبادلات المتحضرة وتعزيز التعاون في البناء البيئي والتفاعل الإيجابي بين الصين والعالم، وتحقيق التعاون المربح للجانبين.
ويعتقد جيا شيو دونغ ان تسريع الصين لبناء القوة البحرية يهدف الى مواجهة تحديات وصعوبات مختلفة، والشكوك الخارجية المتزايدة وفكرة الاحتواء التي ترافق الصعود السريع للصين. لكن الصين واثقة من امكانية ذهابها بعيدا من خلال القوة والثراء وبناء قوة بحرية، وطالما أنه على اساس التفكير الاستراتيجي المتوازن ارضا وبحرا، والتفكير في التمسك بالمصالح الوطنية أولا، والالتزام ببناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.