مع التقدم السريع الذي تشهده صناعة الفضاء في الصين، حصلت الصين خلال السنوات الأخيرة على طلبات متزايدة لإطلاق الأقمار الصناعية التجارية. حيث دخلت الصين المراكز الثلاثة الأولى عالميا في عدد عمليات إطلاق الأقمار الصناعية وبمعدل نجاح متقدم، ماجعلها تمتلك سمعة عالمية عالية في هذا المجال.
منذ إطلاق القمر الصناعي الآسيوي، الأول من نوعه بالنسبة للصين في عام 1990، شهدت عمليات إطلاق الأقمار الصناعية التجارية في الصين تطورا مستمرا على مدى الـ 30 سنة اللاحقة. وإلى حد الآن قامت الصين بـ45 عملية إطلاق تجاري للأقمار الصناعية لفائدة أكثر من 20 دولة ومنطقة. وأطلقت إلى الآن أكثر من 50 قمرا صناعيا، كما قدمت الصين خدمات النقل التجاري للأقمار الصناعية أكثر من 10 مرات. وهومايعكس تسارع خطوات "خروج" صناعة الفضاء الصينية إلى العالم.
"لاتعطني كل يوم سمكة بل علمني كيف أصطاد". هذا المثل الصيني القديم ينطبق على علاقة التعاون بين الصين ودول العالم في مجال إطلاق الأقمار الصناعية. فإلى جانب الفوائد الإقتصادية التي تجنيها الدول المعنية من إطلاق الأقمار الصناعية، تقدم الصين "طقم متكامل" من الخدمات مابعد وماقبل عملية الإطلاق، تشمل إدارة الأقمار الصناعية، والدعم الفني وتدريب الكفاءات. مثلا، قبل إطلاق القمر الصناعي الجزائري في 11 ديسمبر 2017، قامت الصين بتدريب 323 تقني جزائري، في دورات مكثفة إمتدت بين يناير 2015 إلى يوليو 2016. مايعطي الجانب الجزائري إمكانية التحكم في القمر الصناعي بشكل مستقل، وتطوير طرق إستغلاله.
في هذا الصدد، يرى مدير وكالة الفضاء الجزائرية عزالدين أوصديق، أن تدريب الكفاءات الجزائرية سيلعب دورا هاما في دفع التنمية المستديمة لتقنيات الفضاء في الجزائر. في ذات السياق، يشير السفير الجزائري لدى الصين حسان بوخليفة إلى أن إختيار الصين لإطلاق القمر الصناعي الجزائري، لايرجع إلى التنافسية التقنية والسعرية للصين في هذا المجال فحسب. وإنما أيضا لأن الصين تسمح بنقل التكنولوجيا، ويمكنها مساعدة الجزائر على تدريب الكفاءات. وأضاف أن الصين شريك يعمل بصدق وإخلاص لدفع التنمية الإقتصادية في الجزائر.
وأثبتت تجربة الصين في إطلاق الأقمار الصناعية، أن الأقمار الصناعية التجارية الصينية لاتتمتع بتنافسية سعرية فحسب، وإنما أيضا بمعدلات نجاح عالية لعمليات الأطلاق. في هذا السياق، يقول القائد العام لسلسة صواريخ CZ-3A الصينية تسن تشنغ أن معدل نجاح إطلاق الصواريخ الحاملة "تشانغ تشنغ" قد بلغ 98%، ما يضعه في مستوى عالمي متقدم.
من جهة أخرى، لايقتصر "خروج" الأقمار الصناعية إلى العالم على الدول النامية فحسب، بل يشهد التعاون الصيني مع الدول الأوروبية والأمريكية في هذا المجال تقدما مستمرا. حيث بلغ القمر الصناعي البحري الذي تطوره الصين بالتعاون مع فرنسا مرحلة التجميع والإختبار. ومن المتوقع أن يتم إطلاقه إلى الفضاء في النصف الثاني من عام 2018. ويعد أول ثمرة في التعاون الصيني الفرنسي في مجال صناعة الأقمار الصناعية، ومن المتوقع أن يلعب بعد إطلاقه دورا هاما في مواجهة التغير المناخي.
يذكر أن السياسات الحكومية قد مثلت عامل دعم قوي لتطور صناعة الأقمار الصناعية في الصين خلال السنوات الأخيرة. فقد طرح الكتاب الأبيض "فضاء الصين 2016" الصادر عن المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، ضرورة دعم وتشجيع الشركات على المشاركة في الأنشطة التجارية الدولية في مجال الفضاء. وفي ظل هذا الدعم الذي تقدمه السياسات، سيتم خلال السنوات الخمس القادمة تأسيس "رواق معلومات الفضاء على الحزام والطريق"، منصة أقمار الإستشعار عن بُعد لدول البريكس، منصة خدمات إطلاق ونقل الأقمار الصناعية، منصة للتبادل والتدريب للمختصين في مجال الأقمار الصناعية. ولا شك في أن هذا سيعطي دفعا جديدا لتنافسية صناعة الأقمار الصناعية على المستوى الدولي.
إن سبر أغوار الفضاء الواسع وبناء صناعة فضاء قوية، كان دائما حلما يرواد الصين. وتحقيقه لن يعود بالمنفعة على الصين فحسب، بل ستستفيد منه عدة دول في العالم. في هذا الجانب، يقول مدير مركز شي تشانغ لإطلاق الأقمار الصناعية تشانغ شويه يوي أن الصين تعتقد بأن الإستكشاف والإستعمال السلميين للفضاء يعد حقا مكفولا لجميع الدول بالتساوي، ويساعد على دفع السلام والأمن والتنمية في العالم.