بكين 27 يونيو 2017 / إن الإرهاب أشبه بوباء الملاريا، فلا تكفي مكافحته قتل بعوضة تلو الأخرى، بل تكمن المهمة الرئيسية للنجاح في القضاء على الإرهاب في تجفيف مستنقع تكاثر البعوض ووضع رؤية بعيدة المدى لعملية مكافحته، هكذا عبر مسؤولون سابقون وباحثون صينيون وأجانب شاركوا في منتدى دولي هام عقد في بكين يومي 24 و 25 يونيو الجاري.
وجاءت تصريحاتهم هذه خلال الدورة السادسة من منتدى السلام العالمي التي أقيمت تحت عنوان "مواجهة تحديات الأمن العالمي: تكاتف الجهود، تحمل المسؤولية، تحقيق الإصلاح " وتناولت إحدى جلساتها مسألة كيفية إحتواء انتشار الإرهاب الذي صار يمثل أحد التهديدات الكبرى التي يجابهها العالم في وقتنا المعاصر.
وشارك في الجلسة وكيل وزارة الخارجية الباكستاني السابق رياض خوخار ونائب رئيس جامعة الأمن العام الشعبي الصينية وانغ يونغ ومدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية باسكال بونيفاس وقامت على تنظيمها جامعة تسينغهوا الصينية بالتعاون مع معهد الشعب الصيني للشؤون الخارجية.
وخلال الجلسة، ذكر خوخار أن الإرهاب يعد ظاهرة عالمية، إذ تعاني منه العديد من البلدان التي سقطت ضحية لأشكاله المختلفة. وعزا انتشاره إلى أسباب وعوامل داخلية وخارجية وإلى ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي تدابير فعالة على الأصعدة المحلية والدولية الإدارية منها والقانونية للتعامل معه. "إننا بحاجة إلى تجسيد تعاون دولي في مواجهة هذه الظاهرة لأنه ليس بمقدور دولة واحدة العمل بمفردها في هذا الصدد"، على حد قول خوخار.
وشرح رؤيته، قائلا إن مكافحة الإرهاب بحاجة إلى رؤية بعيدة المدى للتعامل مع هذه الآفة، حيث ينبغي توقيع عقوبات على من يدعمون الإرهاب والعمل في أقرب وقت ممكن على الجوانب ذات الصلة بالتعريف القانوني،"فعملية مكافحة الإرهاب تنطوى على وسائل مختلفة وليس مجرد الأمنية منها أو العسكرية، ولكنها تتطلب التزام الحكمة الشاملة".
وأبرز خوخار أهمية نبذ أسلوب التفكير ضيق الأفق عند النظر في قضية الإرهاب، مشددا على ضرورة احترام الحضارات والمعتقدات على اختلافها وإجراء حوار بين الثقافات على تنوعها، إذ يرى أن ذلك يلعب دورا هاما يمكن أن يساعد على تبديد سوء الفهم وتعزيز التفاهم المتبادل حتى يتسني بناء الثقة وخلق بيئة متناغمة وسلمية.
أما الباحث الفرنسي المخضرم باسكال بونيفاس فقد لفتت آراءه انتباه الحضور بشدة، إذ قال إن الإرهاب لا يمثل أخطر تهديد يواجهه العالم في ضوء وجود التهديد النووي وغيره من التهديدات الكبرى ومن ثم ينبغي عدم إيلاء اهتمام أكثر مما ينبغي بتأثيره المجتمعي المحتمل.
وأكد على ضرورة عدم جعل الإرهابيين ينالون مأربهم المتمثل في لفت الانتباه وعمل الدعاية عبر قنوات مختلفة لأنفسهم ومؤسساتهم ونيل الشهرة وتصدر عناوين الصحف وبث الذعر في نفوس الناس، منوها إلى أن الإقلال من الأقوال والإكثار من الأفعال ولا سيما في وسائل الإعلام المختلفة سيحد من تفشي الأنشطة الإرهابية في أرجاء العالم.
"لا شك أن الإرهاب يشكل تحديا ضخما بالنسبة لنا، لا نستطيع تجاهله ولا يستطيع مجتمعنا الفرار منه، لهذا ينبغي علينا التزام اليقظة والحذر تجاهه"، هكذا ألمح بونيفاس، ولكنه دعا في الوقت ذاته الشعوب إلى ممارسة أنشطتها الحياتية كالمعتاد والخروج إلى المقاهي والمتنزهات وغيرها دون أي قيود.
وذكر أنه لا يجوز إلقاء اللوم على جميع المسلمين لأن بعض الهجمات الإرهابية نفذها مسلمون، مشيرا أيضا إلى أن الكثيرين يتخذون من الإرهاب أداة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
وأكد بونيفاس على ضرورة تعزيز التعاون بين الدول وتحقيق الحوكمة الجيدة في مسألة مكافحة الإرهاب وكذا توفير العدالة الاجتماعية ، مضيفا أن العمل فقط على ضرب مظاهر الإرهاب دون النظر إلى أسبابه الجذرية سينجح على المدى القصير وليس على المدى الطويل.
واتفق بونيفاس مع خوخار في أهمية وضع رؤية بعيدة المدى إذا ما كانت هناك رغبة في دحر الإرهاب على أن يتم التزام الحذر في التعامل معه، منوها إلى أن مسألة تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية يمكن أن يحول دون وقوع أنشطة إرهابية بل ويمكنه المساعدة على تعقب الإرهابيين المحتملين.
ومن جانبه، رأي الأكاديمي البارز وانغ يونغ أنه بغض النظر عما تحقق من إنجازات في مكافحة الإرهاب ومن بينها مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في عام 2011، إلا أن منظمات إرهابية جديدة ظهرت ومن بينها تنظيم الدولة (داعش).
وألمح إلى أن إحصاءات قاعدة بيانات جامعة ميريلاند الأمريكية تفيد بأنه في الفترة من 2001 إلى 2004 بلغ عدد الهجمات الإرهابية 1416 لتخلف 5041 قتيلا غير أنه في الفترة من 2012 إلى 2015 تجاوز عدد الهجمات الإرهابية حول العالم 13034 لتوقع 29268 قتيلا، وهذا يؤشر على ارتفاع كبير في عدد الأحداث وضحايا فيها.
وشدد وانغ على ضرورة نبذ المعايير المزدوجة عند مكافحة الإرهاب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن عدم التعاون في مكافحة الإرهاب يعني خلق مجال لبقائه، فـ"كثافة الإرهاب هي انعكاس لعدم كفاءة التعاون". كما قال إن مشاركة الصين في بناء الحوكمة ستعزز المكافحة العالمية للإرهاب وستدفع العمل مع البلدان الأخرى لوضع نظام إستراتيجي مشترك لدرء هذا الخطر.