بكين 5 فبراير 2016 / يعتبر عيد الربيع التقليدي الصيني أهم عيد بالنسبة للصينيين في كل عام، فهو يشبه عيدي الأضحى والفطر المباركين بالنسبة إلى المسلمين. ولكن مع تبدل الزمان عبر التاريخ، تغيرت مضامين عيد الربيع وأساليب احتفال الناس به، غير أنه ما زال يحتل مكانة لا يمكن استبدالها في حياة الصينيين .
يرجع تاريخ عيد الربيع الصيني الذي يصادف 7 فبراير في العام الحالي إلى ما قبل أربعة آلاف سنة، ولكنه وقتها لم يكن يسمى بعيد الربيع ولم يكن له يوم محدد حينذاك. وقبل عام ألفين ومئة قبل الميلاد ، كان الناس يسمونه بـ"سوي" ومع مرور الأيام صار الناس يطلقون عليه "نيان"، وكان "نيان" في ذلك الوقت يعني الحصاد الوافر من كل محاصيل الحبوب.
ووفقا للعادات والتقاليد الشعبية في الصين، يبدأ عيد الربيع بالمعنى الواسع من اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثاني عشر وفق التقويم القمري الصيني، ويستمر حتى عيد يوانشياو الذي يصادف اليوم الخامس عشر من الشهر الأول في السنة القمرية الجديدة، ويستغرق ثلاثة أسابيع تقريبا. وخلال هذه الفترة، تعتبر عشية اليوم الثلاثين من الشهر الثاني عشر ونهار الأول من الشهر الأول أهم نهار وليلة .
ومع تسارع عملية المدننة في الصين في السنوات الأخيرة، يهاجر العديد من الناس إلى خارج مساقط رؤوسهم للسعي وراء فرص العمل في المدن الكبرى، ومعظمهم يعودون إلى بلداتهم خلال فترة عيد الربيع، ما يؤدي إلى حدوث ازدحام شديد للركاب سواء في محطات القطارات أو المطارات، في مشهد يشبه قيام جميع الصينيين بهجرة جماعية ضخمة .
وتصف وسائل الاعلام كثافة حركة السفريات بين المدن والمحافظات الصينية بـ " أضخم تنقلات بشرية على وجه الأرض ".
وترافق هذه الهجرة الموسمية صعوبات في حجز تذاكر العودة، فعلى الرغم من التنمية السريعة التي تشهدها السكك الحديدية وخاصة القطارات فائقة السرعة في الصين بالسنوات الأخيرة، إلا أن السيول البشرية الضخمة المتدفقة تجعل من حجز تذكرة واحدة خلال موسم ذروة نقل الركاب أمرا صعبا للغاية .
وعملاً بالقول الشائع :"أينما يوجد الصعب يوجد الثراء"، وتماشيا مع مساعي الناس للحصول على تذكرة عودة لأولادهم ، ظهر نوع من الممارسات يسمى بـ "الوظيفة" بين بعض الأشخاص الذين يشترون العديد من التذاكر، ومن ثم يقومون ببيعها بسعر أعلى من قيمتها الحقيقية.
ولمكافحة هذا الاستغلال وتسهيل حجز التذاكر للمواطنين، أطلقت الصين نظام حجز تذاكر إلكتروني على الانترنت متاح للعامة شرط استخدام الاسم الحقيقي، ولكن قدرة النقل في هذا الموسم ما تزال في موقف حرج أمام الطلب الضخم.
ومن أجل استقبال عيد الربيع، يقوم الناس بمختلف الأنشطة التحضيرية التي تبدأ بتنظيم ديارهم وغسل الملابس واللحف بقصد إزالة الأوساخ ، بينما يشتري أفراد الأسر من الأسواق باستمرار بضائع كثيرة خاصة بالعيد مثل الحلويات والكعك واللحوم والفواكه وغيرها من الأطعمة استعدادا للأكل وإكرام الضيوف أثناء فترة العيد.
ومن عادة الصينيين بهذه المناسبة أن يجتمع أفراد الأسرة عشية العيد لتناول الوجبة العائلية، اذ أن عيد الربيع هو أهم عيد لجمع شمل الأسرة ، وتفضل معظم الأسر أكل جياوتسي في الوجبة حيث يصنعه كل أفراد الأسرة ويحشونه لحما مفروما في شرائح عجين رقيقة مستديرة.
ومن المعتاد أيضاً إطالة السهر في عيد رأس السنة حيث يودع الناس في هذه الليلة السنة القديمة ويستقبلون السنة الجديدة . وعندما تحل السنة الجديدة، يشعل الناس المفرقعات للتعبير عن تهانيهم، والقصد من وراء هذا التقليد طرد الشيطان حسب المعتقد القديم. ولكن إشعال الألعاب النارية أثار جدلا في بعض المدن في الوقت الراهن، إذ يسجل وقوع إصابات كل عام جراء ذلك، فضلاً عن تلوث الهواء والضوضاء .
عندما يحل أول الشهر الأول من السنة الجديدة، يرتدي جميع أفراد الأسرة كبارا أو صغارا ملابسهم الجديدة ويبدأون استقبال الضيوف أو يخرجون للمعايدة.
وفضلا عن ذلك، يعتبر إلصاق شعارات عيد الربيع ورسوم السنة الجديدة وإشعال فوانيس العيد المزخرفة أنشطة يحتفل الناس من خلالها بسرور بعيد الربيع أيضا.
وتماشيا مع ارتفاع مستوى معيشة الشعب، تغيرت أساليب احتفال الصينيين بعيد الربيع حيث أصبحوا يقبلون على السياحة إلى مدن أخرى في البلاد أو خارجها للاحتفال بعيد الربيع.
ومع انتشار استخدام تطبيق التراسل الفوري على الهواتف الذكية مثل ويتشات ، يفضل الناس إرسال تحياتهم عبر رسالة وصورة وفيديو خلال فترة عيد الربيع ، ما يقدم تسهيلات لأولئك الذين لا يستطيعون العودة إلى أقربائهم خلال العطلة، وبغض النظر عن كل ذلك، ما زال الأطفال يحصلون على العيديات من أقربائهم الذين لم يتمكنوا من العودة مستفيدين من خدمة الدفع الالكتروني الذي يقبل الناس على استخدامه في الوقت الحاضر.