بقلم جميلة لين
بكين 25 يناير 2016 / بعد خمسة أعوام على شرارة "الربيع العربي" التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وأشعلت فتيل غضب الشعب المصري في 25 يناير عام 2011، دخلت مصر، الدولة ذات الثقل الكبير في المنطقة، مرحلة الإصلاح والانتعاش والنمو البراغماتي، إلا أن طريقها ليست مفروشة بالورود.
وفي منتدى "خمسة أعوام على ثورات الربيع العربي" الذي عقد في جامعة بكين للغات الأجنبية بالعاصمة بكين مؤخرا، بحضور نائب وزير الخارجية الصيني السابق يانغ فو تشانغ، والسفير الصيني السابق لدى طهران هوا لي مينغ، وغيرهما من العلماء والخبراء الصينيين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية من جميع أنحاء الصين، أثنى الدبلوماسيون والخبراء بنجاح مصر في إعادة الأمن والاستقراروالانتعاش الاقتصادي التدريجي إلى البلاد، مؤكدين في نفس الوقت على تحديات تواجهها في مكافحة الإرهاب وبناء الصناعة المحلية من أجل الحفاظ على النمو المستدام.
وقال يانغ فو تشانغ إن مصر تعد على رأس الدول التي شهدت تحولات كبيرة في المنطقة، إذ شهدت في النصف الأول من هذه الأعوام الخمسة حماسا جماهيريا ثوريا وتظاهرات متكررة لا تتوقف، في أعقاب كسر نظام الرئيس مبارك الذي طال أمده لأكثر من 30 عاما، ما ترك فراغا سياسيا واضطرابات أمنية في البلد استمرت حتى بعد وصول الإخوان للسلطة، لكن في النصف الثاني، وخاصة بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، دخلت مصر مرحلة إعادة النظام والإصلاح الهيكلي والانتعاش الاقتصادي.
وفي مجال السياسة الداخلية، رأى يانغ أن الجلسة البرلمانية الأولى التي عقدت يوم 10 الشهر الجاري تمثل حدثا رمزيا يبرهن على نجاح خارطة الطريق المصرية المكونة من ثلاث خطوات، ألا وهي الاقتراع الدستوري والانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية.
وفي هذا الصدد، لاحظ تشو ليه، الأستاذ بجامعة الدراسات الدولية في بكين، أن نخبة المجتمع المصري التي تتمتع بالخبرات السياسية في حكم البلاد ودفع الاقتصاد، قد عادت تدريجيا إلى المنصة السياسية، مؤكدا أنها ظاهرة مفيدة لأن "الثورة تحتاج إلى الثوار أما حكم الدولة يحتاج إلى السياسيين الناضجين." ولكن ما شياو لين، الخبير بشؤون الشرق الأوسط بجامعة اللغات الأجنبية، حذر من انحدار الحكومة إلى النظام القديم الفساد، مؤكدا أهمية تعزيز الرقابة وإجراء الإصلاحات الضرورية في هياكل الدولة.
وفي مجال الأمن، رحب الحضور بإعادة الاستقرار والأمن تدريجيا في مصر، وأشار يانغ إلى أن التظاهرات والاحتجاجات باتت أقل بكثير في الشوارع، مشيدا بالقوانين الواضحة التي أصدرتها الحكومة الجديدة لخفض احتمال وقوع الاضطرابات التي تضر بالحياة اليومية وتعرقل الانتعاش الاقتصادي، ما يبرهن على قدرة حسن الإدارة لدى القيادة.
وفي مجال الدبلوماسية الخارجية، رأى وانغ سوه لاو، الخبير بشؤون الشرق الأوسط بجامعة بكين، أن النظام المصري الجديد يتبع نهجا دبلوماسيا براغماتيا حقيقيا لا يعتمد على الدول الغربية المتقدمة فحسب، ولكنه يتحرك في كافة الاتجاهات بشكل متوازن، ما يرسي أساسا صلبا لعلاقات أوثق مع جميع الدول العالمية وعلى رأسها دول بريكس الخمسة (الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا)، وغيرها من الدول النامية.
وفي مجال الاقتصاد والاستثمار، أشاد الخبراء الصينيون بالخطوات البراجماتية التي اتخذتها الحكومة المصرية، وتحديدا حفر قناة السويس الجديدة والشروع في إنشاء عاصمة إدارية جديدة وتوسيع رقعة الأرض الزراعية بزيادة مليون ونصف فدان. وأشاد وانغ بالإنجازات الكبيرة التي حققتها وزارة التعاون الدولي المصري في جذب الاستثمارات والقروض والمنح المالية، مشيرا إلى نجاحها في الحصول على 6.5 مليار دولار من المساعدات المالية المتنوعة في أقل من 3 شهور العام الماضي من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي والسعودية وغيرها من المؤسسات والدول.
وأكد يانغ خصيصا على أهمية خطة توسيع الرقعة الزراعية لمصر، قائلا إنها توفر فرص العمل وتحل مشاكل الغذاء في آن واحد. وأعرب عن تفاؤله تجاه زيادة الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 2.8 تريليون جنيه بمعدل زيادة 5.5 بالمائة ما سيتجاوز رقم النمو في زمن مبارك ويرمز إلى انتهاء زمن الشغب وعودة الدولة إلى مسار النمو الطبيعي الصحيح.
لكن يانغ حذر أن الحكومة المصرية تحمل عبئا ثقيلا في سداد الديون والحفاظ على معيشة الشعب اليومية، مضيفا أن ميزانية عام 2015 -2016 لم تترك مبلغ كافيا لمجالات مثل التعليم والصناعة والصحة ودفع التجارة.
وتثير الصعوبات المتمثلة في نقص التوازن في هيكل الصناعة في مصر قلقا شديدا بين الخبراء الصينيين، وقال يانغ إن مصر لم تبني بعد صناعة محلية ضخمة تمكنها من توفير فرص العمل وقوة الدفع الاقتصادي اللازمة للحفاظ على النمو المستدام في البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، جلبت الأعوام الخمسة من بعد الثورات والاضطرابات في أنحاء المنطقة مشاكل جديدة متمثلة في تصاعد التهديدات الإرهابية التي تعاني منها مصر في خاصرتها الشرقية، شبه الجزيرة سيناء، وغربها في صحراءها الواسعة على الحدود مع ليبيا المضطربة. وأكد تانغ تشي تشاو، مدير مكتب دراسات الشرق لأوسط بالمعهد الصيني للعلوم الاجتماعية، أنه من غير المحتمل صد انتشار التيار الإرهابي في العالم في المدى القريب، إذ تحتاج حرب المكافحة إلى جهود دولية منسقة وعمليات مطولة ./نهاية الخبر/