بقلم/ وو تشانغ لونغ، سفير سابق، باحث في الشؤون الدولية
شنت امريكا يوم 5 أغسطس الجاري أول ضربة جوية على تنظيم "الدولة الإسلامية" على الاراضي الحدودية السورية من قاعدة تركية، وكان الطيران التركي قد قصف سابقا معسكرات لحزب العمال شمال العراق وتنظيم " الدولة الاسلامية" في سوريا. وتظهر هذه الاحداث التغيرات الكبيرة التي طرأت على السياسة التركية ضد التنظيم.
في الماضي، كانت تركيا تعتبر نظام بشار الاسد اخطر من تنظيم " الدولة الاسلامية"، وبالتالي وقفت امام كل من يحاول الانحياز اليه، وكانت مشاركتها في التحالف الدولي ضد التنظيم غير فعال، كما لم تتخذ الحكومة التركية الخطوات اللازمة للحد من تحركات عناصر التنظيم داخل اراضيها، واتخذت موقف غض البصر والسكوت. وإن تحول الموقف التركي اتجاه تنظيم " الدولة الاسلامية" من تراخي في الماضي الى مشاركة نشطة في الحرب ضده اليوم يثير الاهتمام والتفكير في الدوافع الخفية وراء ذلك.
أولا، تنظيم " الدولة الاسلامية" يهدد المصالح تركية
اتخذ تنظيم " الدولة الاسلامية" الاراضي التركية مرتعا لها لتجنيد اكبر عدد من عناصرها ، وقناة لنقل الاسلحة والإمدادات المالية، ما اثر على سمعتها الوطنية، كما قد تتحول النمور التي تربى على اراضيها الى افة تضر بالأمن الداخلي لتركية.
ثانيا، الضغوطات الامريكية
واجهت تركيا انتقادات امريكة كبيرة بسبب ممارساتها وتساهلها مع تنظيم " الدولة الاسلامية"، وانتقد الرئيس الامريكي باراك أوباما علنا السياسة التركية، كما ضغط على تركيا لإجراء تعديلات.
ثالثا، نمو وتوسع في القدرات الكردية في المناطق المحيطة بتركيا
شهدت القوات المسلحة الكردية الفرع السوري لحزب العمل الكردستاني نموا وتوسعا سريعا بعد اندلاع الحرب الاهلية في سوريا. ونجحت القوات الكردية السورية بدعم من قواتنا الجوية في استعادة مدينة كوباني وبلدان حدودية اخرى من ايدي تنظيم " الدولة الاسلامية". بالاضافة الى ذلك، شهدت الحرب التي يشنها حزب العمال الكردستاني ضد عناصر التنظيم في شمال العراق تطورا كبيرا . لكن ، تركيا لا تأمل ان ترى أي تقارب او التقاء بين المسلحين الاكراد في العراق وسوريا.
رابعا،الانهزام في الانتخابات
ففي الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في مطلع يونيو الماضي، صعد "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي على حساب "حزب العدالة والتنمية" الذي خسر اصوات الاغلبية المطلقة، مما جعله غير قادر على تشكيل حكومة بمفرده أو تعديل الدستور بما يجعل تركيا جمهورية رئاسية لا برلمانية، وتعتبر هذه ضربة قوية للحزب الحاكم في تركيا. وإن شن السلطات الحاكمة التركية ضربات جوية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية" وضد حزب العمال الكردستاني(PKK)، هدفها تعزيز شعور الشعب بالازمة، والتماسك بين الشعب وتوحيده، واستعادة الاغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة المقبلة، وتحقيق احلام اردوغان.
ومع ذلك، وفقا لتقارير وسائل الاعلام، شن الجيش التركي غارات جوية كثيفة على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق فاقت تلك التي شنتها على مواقع تنظيم " الدولة لااسلامية" في سوريا. ومن الواضح ان تركيا تركز في حربها على مواقع حزب العمال الكردستاني وليس التنظيم. كما فسرت تركيا الهجوم على القوات المسلحة الكردية على الاراضي السورية بأنه دفاعا عن النفس، بالرغم من انها خارج نطاق الضربات الجوية.
ويعتقد محللون أن هدف تركيا الاستراتيجي هو مكافحة ومحاربة تنظيم " الدولة الاسلامية" والقوات الكردية المسلحة على حد سواء، وان محاربة التنظيم ما هو إلا غطاء لمحاربة القوات المسلحة الكردية، والذي هو محور الهجوم. وبعبارة اخرى، اصبحت القوات المسلحة الكردية الهدف الرئيسي لتركيا وليس نظام بشار الاسد.
وبالرغم من ان انضمام تركيا الى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" يعزز قوة مكافحة الارهاب، إلا انه يجعل من حالة الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط اكثر تعقيدا ايضا. حيث ان امريكا تعتمد اساسا على القوات المسلحة الكردية في العراق أو في سوريا في محاربة تنظيم " الدولة الاسلامية"، في حين تركز تركيا على قمعها على وجه التحديد. وقد بدا يظهر مشهد غريب على الاراضي الحدودية السورية: تارة تشن امريكا غارة جوية على مواقع تنظيم " الدولة الاسلامية" ، وتارة اخرى تشن الطائرات الحربية التركية غارات جوية على القوات المسلحة الكردية السورية. ومثل هذه الشراكة الغريبة بين امريكا وتركيا يجعل طريق محاربة الارهاب في الشرق الاوسط طويل وشاق.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn