تعليق: دبلوماسية القوى الكبرى .. هل عادت الى عصر التمييز بين العدو والصديق ؟

بالرغم من الصراعات العديدة التي تعاني منها القوى العظمى إلا أنه ينبغي عليها الاستفادة من النظام الدولي الحالي واشتقاق التنمية والاحترام. وليس هناك الحاجة الى الاعتماد على عقلية المصادمة بين العدو والصديق في التعامل مع القضايا الدبلوماسية إذا لم تتخذ الموقف الثوري في التعامل مع النظام الدولي الحالي.

بالطبع، هذا لا يعني أنه لا يوجد صراع بين القوى الكبرى. فقد سحبت الازمة الاوكرانية العلاقات الامريكية الروسية الى حافة الحرب الباردة، ومنحتها منطقا معينا من الحرب الباردة. حيث أن القيود المفروضة على التبادلات بين بعض الامريكيين والروسيين،وتدهور العلاقات السياسية ، العقوبات الاقتصادية، الترتيب العسكري ذي خصائص الكبح والمواجهة من الظواهر التي توحي وصول امريكا وروسيا الى حافة الحرب الباردة. كما أن العلاقات بين روسيا واوروبا معقدة جدا، حيث ترى روسيا أن تأثير السياسة الامريكية والأوروبية على اوروبا الشرقية لا يكمن في امكانية استعادة قوى تأثيرات الاتحاد السوفيتي فحسب ،وأنما تستطيع تفكيك الاراضي الروسية الحالية ايضا.وترى اوروبا أن سياسة روسيا اتجاه اوروبا الشرقية نتائج الحرب الباردة، ويعتقد الاوروبيون أن اوروبا بأكملها لن تتمتع بالسلام إذا ما تمت العودة الى التاريخ والبحث في الحدود.وإن مراقبة أمريكا للاتحاد الاوروبي يزيد تعقيد العلاقات الامريكية الاوروبية،وبالرغم من أن التحالف الامريكي الاوروبي الاكثر اهمية إلا أن الثقة المتبادلة القليلة جدا زاد التناقض بين الجانبين.

يعتبر التعاون بين الصين وأمريكا وأوروبا شامل وعميق. كما أن اللقاء بين شي جين بينغ وباراك اوباما لم يؤكد مفهوما العلاقات الجديدة بين القوى الكبرى فقط، وإنما هناك الكثير من التعاون في مجالات محددة. والتفاعل المتكرر بين الصين وروسيا عزز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وزيارة شي جين بينغ الى أوروبا، واقتراحه في أول زيارة لمقر الاتحاد الأوروبي للشراكة الاربعة بين الصين واوروبا" السلام، النمو، الاصلاح، الحضارة"، والدفع بالعلاقات بين الطرفين على نحو شامل. كما يسود العلاقات الصينية اليابانية البرود ولو أنها تبدو دافئة أحيانا، حيث أن الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتمع مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ووصل الجانبان الى توافق حول اربع نقاط من حيث المبدأ، وعلى الرغم من عدم التوافق في شرح النقاط الاربعة، إلا أنه تم التأكيد على اقامة الآليات واتخاذ تدابير لمنع وقوع أحداث غير متوقعة.

هناك نوعان من التفكير الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واحد يقوم على التحالف، ويعتبر الانعدام المطلق للأمن عند الآخر هو أمنه المطلق ، و يدور هذا المسار في حلقة مفرغة. والصين تدعو الى مسار آخر الذي يعتبر مفهوم الامن الجديد، الامن المتكامل، الامن المشترك، الامن التعاوني والامن المستدام. ونظام التحالف الذي انشأته امريكا في آسيا واوروبا له هدف معين جعل روسيا والصين تشعران بانعدام الامن. وفي هذا السياق، هناك التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا. لكن لدى البلدين فكرة مهمة،المشاركة في الدفاع عن أمن البلدين التنمية المستقلة والسيادة، وهذا لا يعني أنه التحالف ولا يمكن أن يكون تحالفا. والصين تدعو الى الفوز المشترك بدلا من التحالف والمواجهة. لان التحالف بين الصين وروسيا ضد اوروبا وأمريكا سوف يخلق حقا حربا باردة جديدة.

وباختصار،لا تريد أي قوى عظمى في العالم اسقاط النظام الدولي القائم بالرغم من التناقضات العديدة بينها.و سياسة الصين الخارجية تجاه التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية لا تعتمد على مفهوم تقسيم الشراكة الى العدو والصديق.