من أهم المشاكل التي كشف عنها وضع فيروس الإيبولا، هي نقص قدرات التعبئة في الدول المعنية. دول غرب إفريقيا التي تعد مصدر إنتشار المرض، لم تكن يوما ذات قدرات تعبئة قوية، لكن حتى أمريكا والدول الأوروبية، أظهرت هذه المرة تراجعا في قدرات التعبئة.
إن قدرات التعبئة هي أساس ونشوء الحضارة الإنسانية والمجتمع البشري، وهي شرط بقاء وتطور أي دولة وأي أمة. وقد كتب للحضارة الإنسانية النشأة بفضل قدرات التعبئة والتنظم التي طورها الإنسان خلال صراعه مع الفيضانات على نهر النيل والنهر الأصفر، وبذلك تشكلت المجموعة البشرية البدائية.
قدرات التعبئة، هي أيضا العامل الرئيسي الذي يقرر بقاء مجتمع ما عند مروره بمحنة الحروب أو الكوارث. لأن الثروة المادية وقدرات الإنتاج وحدها لا يمكن ان تجعل أي مجتمع يعيش في آمن وإستقرار دائم، وقد راكمت الصين في هذا الجانب العديد من الدروس. فخلال حرب الأفيون، منيت الصين ذات القدرة الإقتصادية الكبيرة بهزائم متتالية في حربها ضد القوى الإستعمارية الغربية، بسبب ضعف قدرات التعبئة، ومن ثم تم إرغام الصين على مكانة غير ملائمة داخل النظام السياسي والإقتصادي الدولي.
قدرات التعبئة، هي أيضا العامل الرئيسي الذي يحدد نمو دولة أو أمة ما. وسواء بالنسبة لتراكم رأس المال، أو إنشاء البنية التحتية، أو بالنسبة لدفع الصناعات المتقدمة، يبقى النجاح أو الفشل رهين قدرات التعبئة. لقد كانت أوروبا الغربية مهد الثور الصناعية الحديثة، وكانت قدراتها على التعبئة نموذجا يحتذى لكامل العالم, وتمكنت بفضل ذلك من تجاوز الدول الإسلامية والصين. لكن النظام الديمقراطي الحالي المفرط أضعف قدرات أوروبا الغربية على التعبئة. في المستقبل المنظور، من المحتمل أن تشهد قوة أوروبا الغربية على التعبئة هبوطا مدويا.
بعد مضي أكثر من مئة سنة على حرب الأفيون، ظلت الصين تعاني ضعف قوة الدولة، وبعد عشرات السنين من المحن التي صاحبتها الدماء والنيران، تمكنت الصين من صقل قدرات تعبئة قوية. فمن زلزال تهانغ شان سنة 1976 إلى فيضان نهر اليانغتسي في سنة 1998، ومن حمى السارس في سنة 2003 إلى العاصفة الثلجية التي ضربت الجنوب والزلزال المدمر الذي ضرب ونتشوان في سنة 2008، ومن الأزمة المالية في شرق آسيا لسنة 1997 إلى الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 و2009، أظهرت الصين بإستمرار قدرات كبيرة على التعبئة، تركت إنطباعا عميقا لدى العالم.
من الصعب على أي دولة أن تمتلك قدرات تعبئة قوية، والأصعب أن تحافظ عليها. وللمحافظة على قدرات تعبئة كافية، يجب أولا المحافظة على إمكانيات مالية حكومية كافية. فالصين تختلف عن الدول التي تمارس النظم الغربية، إذ تتجلى مميزات قوة التعبئة الصينية في تطوير وتعبئة الموارد البشرية. والإعتماد على العامل البشري لتعويض النقص في رأس المال.
تكمن قدرة التعبئة وخاصة تعبئة الموارد البشرية في تأسيس الإجماع الإجتماعي. فهناك بعض الأوبئة التي ظهرت فجأة في أمريكا لم تمثل فرصة لوقف الجدل مكافحته بشكل مشترك، بل على العكس مثل فرصة جديدة للجدل بين الأحزاب، حيث وصل الأمر إلى أن إعتبر بعض الأمريكيين الموقف الحكومي من مقاومة الفيروس "تمييزا عرقيا".وهو ما دفع الكاتب ليري كين إلى أن يكتب في مقال نشر بمجلة "فوربس": "إلى هذه الدرجة، لم تترك لنا هذه الدولة أي شيء يمكننا أن نتحمله كأمة موحدة."
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn