الصفحة الرئيسية >> العالم العربي

حراس الزمن.. مرممون يعيدون الحياة لكنوز مصر القديمة (4)

/مصدر: شينخوا/   2025:09:15.09:26
حراس الزمن.. مرممون يعيدون الحياة لكنوز مصر القديمة

القاهرة 14 سبتمبر 2025 (شينخوا) بينما يستمتع الزوار بمشاهدة الكنوز الأثرية في قاعات المتحف القومي للحضارة المصرية بالأعلى، يعمل في الطابق السفلي من المتحف مرممون يرتدون معاطف بيضاء ناصعة أشبه بالجراحين، لإعادة الحياة لقطع أثرية يعود تاريخ معظمها لآلاف السنين.

وفي داخل معمل ترميم الآثار الحجرية، يتعامل المرممون مع قطع أثرية يتجاوز وزنها 120 كيلوجراما، مستخدمين رافعة علوية (ونش) لرفع الأجزاء الضخمة وإعادة تركيبها.

وقالت القائمة بأعمال رئيس المعمل خلود خيري "هذا هو المعمل الوحيد المجهز بونش ليساعدنا على رفع وإعادة تجميع مثل هذه القطع الثقيلة".

وأشارت خلود إلى تمثال ضخم كان قد تحطم إلى ستة أجزاء، موضحة كيف أعادت هي وفريقها تركيبه تدريجيا قائلة إن "الترميم يتم خطوة بخطوة. أحيانا تكون هناك أجزاء مفقودة من الأثر، لكن بفضل البرامج الحديثة يمكننا تصور الأجزاء المفقودة وإعادة بنائها بدقة كبيرة".

وأكدت خلود أن الهدف ليس تجميل القطع الأثرية، بل الحفاظ عليها، وقالت "نرمم لتدعيم ما تبقى من الأثر، لا لتجميل الأثر".

وعلى بعد خطوات عرض الباحث أحمد علي الجانب الرقمي من عملية الترميم عبر جهاز الكمبيوتر الخاص به، موضحا أنه قبل أي تدخل عملي، تخضع كل قطعة لعملية توثيق هندسي ثنائي وثلاثي الأبعاد.

وقال علي "في التوثيق ثنائي الأبعاد، نحدد الأبعاد والأجزاء المفقودة. أما في التوثيق ثلاثي الأبعاد، فيمكننا تدوير التمثال افتراضيا ورؤيته من كل الجهات وفحص كيفية تركيب الأجزاء المفقودة المحتملة".

ومعمل ترميم الآثار الحجرية ليس سوى جزء من مركز الترميم والصيانة بالمتحف القومي للحضارة المصرية، وهو أحد أكثر مراكز الترميم تقدما في المنطقة.

ويشمل المركز وحدة استقبال تعمل كمنطقة حجر صحي للآثار، ومعملا لترميم المومياوات مزودا بحضّانات نيتروجينية وأجهزة للتحكم في درجة الحرارة والرطوبة وشدة الضوء، ووحدة لترميم الأيقونات واللوحات الزيتية، ووحدة لترميم الآثار العضوية بها معامل لترميم الآثار الخشبية والمنسوجات والمخطوطات، بالإضافة إلى وحدة لترميم الآثار غير العضوية مثل الفخار والزجاج والمعادن والقطع الحجرية الصغيرة.

كما يضم المركز أجهزة نادرة، من بينها أحد أكبر أجهزة التعقيم بالأنوكسيا في العالم، بالإضافة إلى جهاز تأريخ بالكربون المشع (كربون-14)، ما يجعله مركزا مهما للباحثين على مستوى مصر.

وقال مدير عام مركز الترميم والصيانة في المتحف القومي للحضارة المصرية محمد عبد الشافي "عملنا لا يتوقف عند الترميم. نحن نتابع حالة القطع الأثرية منذ لحظة مغادرتها مواقعها الأصلية حتى وصولها إلى المتحف ووضعها في المخازن أو العرض المتحفي".

وفي جانب آخر من المركز، كان رئيس معمل ترميم المومياوات مصطفى إسماعيل يفحص جمجمة مومياء آدمية تعود إلى نحو خمسة آلاف عام من الدولة الحديثة، لكنها مجهولة المصدر.

وأوضح أن أحد أكبر التحديات في ترميم المومياوات تأتي من ترسبات الأملاح التي أزالت طبقات الراتنج الواقية التي كانت تغلف الجسد، مشيرا إلى أن "الملح يمتص الرطوبة ويكوّن محلولا قلويا يهاجم الراتنجات ويسرع التلف والتحلل".

وبعناية فائقة، يقوم فريقه بفصل القشرة الملحية عن بقايا الراتنج الهشة للحفاظ على الأنسجة القديمة تحتها.

وتغطي معامل الترميم المتخصصة الأخرى في المركز طيفا واسعا من التراث المصري، سواء كان متمثلا في آثار عضوية أو غير عضوية، فيوجد معمل لترميم الآثار الخشبية يعالج التماثيل والتوابيت الخشبية الهشة، ومعمل للمخطوطات والبردي يحفظ المخطوطات القديمة والكتب النادرة.

فيما تقوم معامل أخرى بترميم الفخار والزجاج والمعادن والقطع الحجرية الصغيرة، فضلا عن وحدة ترميم اللوحات الزيتية والأيقونات، حيث تدمج هذه المعامل بين التكنولوجيا الحديثة وتقنيات الترميم التقليدية.

ويتجاوز دور المركز عملية ترميم وحفظ وصيانة الآثار، إذ يسهم في إعداد أجيال جديدة من المرممين من خلال ورش تدريبية أسبوعية وتجارب عملية على الأجهزة الحديثة، كما ينظم ندوات وملتقيات علمية ويتعاون مع الجامعات والمعاهد المختلفة.

وقال عبد الشافي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن مسؤوليتنا هي الحفاظ على هذه الآثار، التي تحمل ذاكرة الحضارة المصرية، ليس فقط لزوار اليوم، بل أيضا للأجيال القادمة".

صور ساخنة