بكين/أستانا أول يوليو 2024 (شينخوا) في 15 يونيو 2001، اجتمع رؤساء دول الصين وقازاقستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان آنذاك في شانغهاي. وأعلنوا معا عن إنشاء مجموعة إقليمية جديدة في القارة الأوراسية - منظمة شانغهاي للتعاون.
تعد منظمة شانغهاي للتعاون المنظمة الحكومية الدولية الوحيدة التي سميت على اسم مدينة صينية. لقد باتت مكانا رئيسيا للصين لتعزيز تعاونها مع دول في آسيا الوسطى والمنطقة الأوراسية الأوسع.
على مدار العقد الماضي، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ كل قمة لرؤساء دول المنظمة، بما في ذلك عبر مؤتمرات الفيديو خلال فترة جائحة كوفيد-19. وشارك في هذا المنبر المتعدد الأطراف أفكاره ومقترحاته مع قادة العالم الآخرين بشأن ضمان الاستقرار الإقليمي وتحقيق تنمية مشتركة أكثر قوة والمساهمة في عالم أفضل.
"القضية العادلة تحظى بالكثير من الدعم، والرحلة التي تضم العديد من الرفاق تمضي بعيدا". من وجهة نظر الرئيس شي، فإن تطور منظمة شانغهاي للتعاون، والتي تمثل حوالي نصف سكان العالم وربع الاقتصاد العالمي، يتفق مع اتجاه العصر ويسير جنبا إلى جنب مع اتجاه التقدم البشري.
-- "البلاد تنعم بالرخاء مع بلوغ السلام"
"'قوى الشر الثلاث' والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة العابرة للحدود تشكل تهديدات خطيرة للأمن والاستقرار الإقليميين". عندما ألقى شي خطابا خلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون لأول مرة في بيشكيك، عاصمة قرغيزستان، في عام 2013، افتتح خطابه بتقييم واضح وموجز للوضع الأمني الذي يواجه أعضاء المنظمة.
ولدت منظمة شانغهاي للتعاون في المقام الأول لأسباب أمنية. وتشكلت سابقتها، "خماسي شانغهاي"، لإدارة قضايا أمن الحدود بعد نهاية الحرب الباردة. وظل الإرهاب والانفصالية والتطرف، والمعروفة باسم "قوى الشر الثلاث"، تلقي بظلالها منذ عقود على منطقة آسيا الوسطى، وأصبحت أكثر حدة بشكل متزايد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والغزو الأمريكي لأفغانستان وما يسمى بالربيع العربي.
ومع مشاركة شي لأول مرة في قمة رؤساء دول منظمة شانغهاي للتعاون، كانت المنطقة تواجه وضعا أمنيا أكثر تعقيدا بكثير. تسبب صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا الإرهابي (داعش) في انتشار العناصر الإرهابية والمتطرفة إلى منطقة آسيا الوسطى في ذلك الوقت، مما أدى إلى مزيد من الضغط على الصين وشركائها في منظمة شانغهاي للتعاون لإقامة علاقات أمنية قوية.
وشدد الرئيس الصيني على التعاون الأمني في كل قمة، وذكر كلمة "الأمن" أكثر من 120 مرة في خطاباته الـ11 التي ألقاها خلال قمم منظمة شانغهاي للتعاون. وبالنسبة له، فإن الأمن هو حجر الأساس للتنمية، في حين أن الاستقرار شرط أساسي للازدهار.
واستشهد شي ذات مرة بمثل أوزبكي يقول "تنعم البلاد بالرخاء مع بلوغ السلام، وتخرج الأرض ثمارها مع هطول المطر" لشرح فهمه للعلاقة بين الأمن والتنمية عند حضوره قمة منظمة شانغهاي للتعاون في سمرقند عام 2022.
وتعهد شي "بعدم التسامح" مع "قوى الشر الثلاث" وشدد على الجهود المتضافرة للقضاء عليها. كما حث أعضاء المنظمة على مساعدة أفغانستان على استعادة السلام ودفع التعاون في مواجهة الإتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة والقطاعات الأمنية غير التقليدية مثل الفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي.
وبفضل الضغط المستمر من جانب شي ورفاقه من قادة منظمة شانغهاي للتعاون، نظمت المنظمة على مر السنين تدريبات مشتركة واتخذت إجراءات صارمة ضد تهريب المخدرات لخفض تمويل الإرهاب. وقد آتت تلك الجهود ثمارها. إذ من عام 2013 إلى عام 2017، أحبطت الدول الأعضاء بالمنظمة أكثر من 600 جريمة إرهابية، وألقت القبض على حوالي ألفي إرهابي، ودمرت أكثر من 500 معسكر تدريب إرهابي. وقد تحسنت الآليات الأمنية وامتدت التدريبات المشتركة إلى الفضاء الإلكتروني.
كما كانت منظمة شانغهاي للتعاون منصة شرح فيها شي رؤيته الأمنية الجديدة لآسيا -- أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام.
ولا يزال العالم اليوم غارقا في قبضة الحروب والنزاعات. ولطالما كان شي مهتما بمنع الحروب وتحقيق السلام الدائم. في عام 2022، اقترح مبادرة الأمن العالمي، وهي منفعة عامة عالمية قدمتها الصين لتعزيز حوكمة الأمن العالمي.
ويتسق المبدأ التوجيهي لمبادرة الأمن العالمي مع رؤيته الأمنية، حيث يقدم حل الصين لمسألة العصر.
-- طريق الحرير الحديث
وترتبط منظمة شانغهاي للتعاون بشكل طبيعي بمقترح شي الرائد، مبادرة الحزام والطريق. وكان جميع الأعضاء الستة الأوائل في المنظمة من الدول الواقعة على امتداد الطريق التجاري القديم النشط بين الشرق والغرب، وقد عزز الزعيم الصيني هذا الارتباط.
وخلال زيارة دولة إلى قازاقستان في سبتمبر 2013، اقترح شي الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وهو عنصر أساسي في مبادرة الحزام والطريق. بعد أيام، وخلال إلقائه خطابا في قمة بيشكيك لمنظمة شانغهاي للتعاون، دعا شي الدول الأعضاء إلى المضي قدما بروح طريق الحرير.
وعلى مدار العقد، استخدم شي مبادرة الحزام والطريق كمحرك رئيسي لتعزيز التعاون العملي للصين مع دول منظمة شانغهاي للتعاون وتسريع التنمية. ومن خلال مواءمة إستراتيجيات التنمية الخاصة بكل منها، شهدت الصين وأعضاء منظمة شانغهاي للتعاون نتائج مثمرة في تعزيز البنية التحتية والتجارة والترابط المالي.
وفي وقت سابق من الشهر الفائت عبر رابط فيديو، أشاد شي، إلى جانب الرئيس القرغيزي صدير جاباروف والرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيايف، بتوقيع اتفاقية بين حكومات الدول الثلاث في بكين بشأن مشروع خط السكة الحديد بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان.
وسيبدأ خط السكة الحديد، كما هو مخطط له، في كاشغر، وهي مدينة في شينجيانغ في غرب الصين، ويدخل أراضي أوزبكستان عبر قيرغيزستان. وفي المستقبل، يمكن أن يصل إلى غرب آسيا وجنوب آسيا، ليصبح شريان النقل الرئيسي عبر القارة الآسيوية.
وفي رسالته عبر الفيديو، وصف شي خط السكة الحديد بأنه مشروع إستراتيجي للارتباطية بين الصين وآسيا الوسطى ويمثل مشروعا تاريخيا يكلل بنجاح جهود التعاون بين الدول الثلاث في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وتقع آسيا الوسطى في قلب القارة الآسيوية، وقد شهدت تنميتها تقييدا منذ فترة طويلة بسبب قلة الموانئ. وبمجرد اكتماله، سيعمل خط السكة الحديد على تقصير الوقت اللازم لنقل منتجات آسيا الوسطى إلى الأسواق العالمية الرئيسية وتسهيل تكامل آسيا الوسطى مع سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، وبالتالي تعزيز التنمية الإقليمية.
وتم اقتراح مشروع خط السكة الحديد لأول مرة في تسعينيات القرن العشرين. وعلى مر السنين، أولى شي اهتماما وثيقا بالمشروع. في تفاعلاته مع قادة قرغيزستان وأوزبكستان، وكلاهما من أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون، دعا مرارا إلى بذل جهد مشترك لاستئناف العمل على خط مشروع السكة الحديد التحويلي هذا.
وأشاد الأمين العام السابق لمنظمة شانغهاي للتعاون، فلاديمير نوروف، بمبادرة الحزام والطريق باعتبارها "منصة مهمة للتعاون متعدد الأطراف" تعود بالنفع على دول آسيا الوسطى غير الساحلية، من بينها وطنه أوزبكستان. لقد وفرت مبادرة الحزام والطريق "الفرصة للوصول بحرية إلى السوق العالمية".
والسكة الحديد ليست سوى جانب واحد من تعاون الصين المزدهر مع أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون. وبفضل زيادة الارتباطية، تزدهر التجارة. وخلال العام الماضي، سجلت التجارة بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمس مستوى قياسيا بلغ نحو 90 مليار دولار أمريكي، بزيادة أكثر من 27 في المائة على أساس سنوي.
-- رابطة أقوى
عندما جاء دور الصين لعقد قمة منظمة شانغهاي للتعاون في عام 2018، اختار شي استضافة زملائه القادة في تشينغداو، وهي مدينة ساحلية في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين. وكان للاختيار تأثيرات ثقافية غنية.
شاندونغ هي موطن كونفوشيوس ومنشيوس، وهما حكيمان صينيان، ومهد الكونفوشيوسية. لقد أثرت هذه الفلسفة الصينية العريقة بشكل كبير على العديد من الثقافات الآسيوية، وأثرت بعمق على حياة الشعب الصيني وطريقة تفكيره.
ورحب شي بقادة منظمة شانغهاي للتعاون باقتباس جملة شهيرة من كونفوشيوس: "يا لها من فرحة أن يأتي الأصدقاء من بعيد!"
ولطالما دعا شي إلى التعلم المتبادل بين الثقافات والحضارات المختلفة. ومنذ أن أصبح رئيسا للصين، جعل من التفاعل الثقافي علامة مميزة لدبلوماسيته. بالنسبة له، فإن تنوع الحضارات يدعم التقدم البشري. في تشينغداو، حدد لأول مرة نظرته للحضارة على أنها تتألف من المساواة والتعلم المتبادل والحوار والشمول.
وفي مناسبات عديدة، شدد الزعيم الصيني أيضا على الحفاظ على الثقافة التقليدية ووراثة التراث الثقافي. برأيه، التراث التاريخي والثقافي هو مورد ثمين غير متجدد.
وخلال زيارته إلى أوزبكستان في عام 2013، أطلق شي مشروعا مشتركا مع الجانب الأوزبكي لترميم المساجد التاريخية والمدارس الإسلامية في مدينة خيوة القديمة وإعادتها إلى أوج ألقها، الأمر الذي لاقى ترحيبا واسعا باعتبارها لؤلؤة الحضارة اللامعة على طول طريق الحرير القديم. وبفضل اهتمام شي ودعمه المستمرين، تم الانتهاء من المشروع في عام 2019.
وعندما زار الدولة الواقعة في آسيا الوسطى مرة أخرى في عام 2022، قدم شي للرئيس الأوزبكي ميرضيايف نموذجا مصغرا للمدينة القديمة كهدية دولة احتفالا بالجهود المشتركة للبلدين لترميم التراث الثقافي لطريق الحرير.
ويعتبر شي كل حضارة متفردة بنفسها، مع عدم تفوق أي منها على أي حضارة أخرى. "يجب علينا تعزيز التعلم المتبادل بين حضارتينا وتوطيد حسن الجوار والصداقة بين بلدينا. وهذا يسمح لنا بتحسين الدعم العام للتنمية طويلة الأجل لمنظمة شانغهاي للتعاون".
-- بيت مشترك
قال شي ذات مرة إن "منظمة شانغهاي للتعاون هي بيتنا المشترك". من وقت لآخر، وصف الرئيس الصيني توسع عدد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون يظهر بأنها "عائلة كبيرة".
سواء كانت بيتا مشتركا أو عائلة كبيرة، فإن منظمة شانغهاي للتعاون مفتوحة وشاملة دائما. وتقوم على أساس عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع النوادي الحصرية للدول المدفوعة بمواجهة الكتل الأيديولوجية.
في السنوات الأخيرة، ضمت المنظمة أعضاء جددا يعترفون بروح شانغهاي، التي تحددها الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتشاور واحترام تنوع الحضارات والسعي لتحقيق التنمية المشتركة.
والآن، مع تسع دول كاملة العضوية وثلاث دول بصفة مراقب و14 دولة شريكة في الحوار، تعد منظمة شانغهاي للتعاون أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث النطاق الجغرافي وعدد السكان.
وبالنسبة لشي، فإن البشرية، التي تعيش في نفس القرية العالمية، تتحول بشكل متزايد إلى مجتمع ذي مستقبل مشترك ترتبط فيه مصالح الجميع بشكل وثيق. بالتالي، اقترح شي بناء مجتمع منظمة شانغهاي للتعاون ذي مستقبل مشترك في قمة تشينغداو.
وقد شارك الرئيس القازاقي قاسم جومارت توكاييف، وهو شاهد على تأسيس "خماسي شانغهاي" في عام 1996 كمسؤول رفيع المستوى في قازاقستان، في أنشطة منظمة شانغهاي للتعاون منذ البداية.
وأعرب عن "احترامه الكبير" لشي ودعمه لرؤاه. وقال "ليس لدي أي شك في آثارها الإيجابية على تنمية العالم، الذي يجب أن يكون خاليا من التمييز والعقوبات والضغط".
وقال شيراديل باكتيغولوف، مستشار الشؤون الخارجية في المعهد الوطني القرغيزي للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث، إن مقترحات شي تلعب دورا حاسما للغاية في بناء الثقة والمنفعة المتبادلة بين الدول في عالم يتسم بتزايد عدم الاستقرار وعدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ.
وأضاف باكتيغولوف أن "أفكار الرئيس شي تبين السبيل نحو بناء مجتمع وثيق لمنظمة شانغهاي للتعاون، ومستقبل مشرق للقارة الأوراسية".