الخرطوم 28 أبريل 2024 (شينخوا) بعد مرور ما يزيد على عام من الحرب،تستعيد مدينة أم درمان التاريخية بالسودان شيئا من ملامح الحياة ، وتقف كمن يفتح ذراعيه لاستقبال من هجروها، رغم تحديات انتشار الذخائر غير المنفجرة ومشاهد الموت على الطرقات والنقص الكبير في الخدمات.
وتشهد المدينة العريقة،وهي الضلع الثالث من العاصمة السودانية الخرطوم، تزايدا في أعداد العائدين إليها من مناطق أخرى من السودان أو حتي من خارجه.
وكان للتقدم الكبير للجيش السوداني في محاور القتال بمدينة أم درمان، واستعادته السيطرة علي معظم المواقع التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع عاملا حاسما في اقتناع أعداد غير قليلة من سكان المدينة بالعودة إلى منازلهم.
ولا توفر السلطات الرسمية تقديرات بحجم العودة الطوعية أو أعداد العائدين أو الراغبين في العودة إلى المدينة،ولكن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن ما يزيد عن ألفي أسرة عادت إلى أم درمان خلال نحو شهرين.
وأعلنت غرفة الباصات السفرية،وهو كيان نقابي يختص بتنظيم عمل الباصات التي تسافر عبر ولايات السودان،عن تنظيم رحلات برية لبدء عودة سكان مدينة أم درمان الذين كانوا يقيمون بمدينة بورتسودان بشرقي السودان.
وقالت الغرفة في تعميم صحفي اليوم "بدأت عودة سكان أم درمان إلى ديارهم من بورتسودان ومغادرة أكثر من عشرة باصات إلى أم درمان يومي الخميس والجمعة الماضيين".
-- سيطرة الجيش عامل محفز للعودة
وأدت سيطرة الجيش علي أحياء أم درمان القديمة واستعادة السيطرة علي مقر الهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون بأم درمان مارس الماضي، إلى زيادة أعداد العائدين إلى المدينة.
وقال المواطن عثمان عبد الرحيم ، وهو من سكان منطقة ود نوباوي بوسط أم درمان، إنه قرر العودة مع أفراد أسرته إلى منزله بأم درمان بسبب تحسن الوضع الأمني وسيطرة الجيش علي منطقة أم درمان القديمة.
وأضاف عبد الرحيم في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم " مع بداية الحرب في أبريل 2023 قررت النزوح مع أفراد أسرتي إلى الولاية الشمالية بشمال السودان، وقد عانينا بسبب انعدام الخدمات الضرورية بالشمالية وعدم تعود أفراد الأسرة علي العيش في المناطق الريفية".
وتابع "مع التحسن الأمني الكبير في أم درمان، وسيطرة الجيش علي معظم مناطق المدينة ، قررت العودة إلى منزلي، وأعتقد أنه كان قرارا صائبا".
وكشف عبد الرحيم عن دمار كبير طال منزله بمنطقة ود نوباوي ،وقال "تضررت أجزاء من المنزل بسبب القذائف المدفعية والمعارك الشرسة التي دارت بالمنطقة ، وكذلك لم نجد كل مقتنياتنا الثمينة وأجهزتنا الكهربائية بسبب عمليات النهب التي طالت معظم منازل المنطقة".
-- تحديات تواجه عودة السكان إلى أم درمان
ما تزال تحديات كبيرة ما تواجه مساعي السلطات الرسمية إلى إعادة الحياة لطبيعتها في أم درمان.
وتتمثل أبرز تلك التحديات في انتشار مخلفات الحرب والقذائف غير المنفجرة،وانعدام الخدمات الضرورية بسبب تضرر شبكات المياه والكهرباء،وانتشار الجثث المتحللة بمعظم شوارع المدينة.
وأعلنت حكومة ولاية الخرطوم اليوم (الأحد) أنها أكملت تدريب 90 متخصصا في إزالة مخلفات الحرب والأجسام الغريبة في منطقة أم درمان القديمة.
وقال حاكم ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة ، وفقا لبيان رسمي صادر عن إعلام الولاية ،إنه أمر بانخراط المتدربين فورا في عمليات إزالة مخلفات الحرب بأم درمان كبداية لأعمال التطوع،على أن تدعم لجان الاستنفار والمقاومة الشعبية فرق المتطوعين.
وأشار الحاكم إلى بداية نظافة أم درمان القديمة من مخلفات الحرب التي تتضمن الجثث والأجسام المتفجرة ومن ثم إعادة خدمتي المياه والكهرباء.
ومن جانبها أعلنت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم عن إجراء مسح صحي وبيئي شامل للأحياء السكنية في أم درمان القديمة تمهيدا لعودة المواطنين الآمنة لمساكنهم.
وقالت صحيفة التغيير الإلكترونية اليوم" قررت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم وضع خارطة طريق للعودة الآمنة إلى أحياء أم درمان القديمة التي تم تحريرها مؤخرا".
وبحسب الصحيفة فإن خارطة طريق العودة الآمنة إلى أحياء أم درمان القديمة تتوافق مع مكافحة نواقل الأمراض والنفايات ومكافحة الآفات واستكمال نقل الجثث والأجسام الغريبة.
كما تتضمن خارطة الطريق تأهيل محطات المياه لتوفير الإمدادات المائية،وإجراء حصر شامل بالأضرار التي لحقت بالمحولات الكهربائية والأسلاك والشروع في الصيانة.
وأعلنت السلطات الحكومية بولاية الخرطوم اليوم بدء تنفيذ خطة لتقييم صلاحية المنازل والأسواق وغيرها في إطار ضمان العودة الآمنة لمنطقة أم درمان.
وقال مكتب إعلام الولاية في بيان صحفي اليوم "تستهدف الخطة تقييم صلاحية المنازل والأسواق بمنطقة أم درمان، وإرشاد المواطنين بالخطوات التي يجب اتخاذها قبل الدخول لضمان سلامتهم والتأكد من صلاحية المباني".
-- مشاهد لدمار كبير طال أم درمان
أظهرت مشاهدات لمراسل وكالة أنباء ((شينخوا)) من منطقة أم درمان مظاهر دمار كبير طال معظم مباني منطقة أم درمان القديمة (محلية أم درمان الكبري) ، مع انتشار للجثث المتحللة بالشوارع الرئيسية وانبعاث روائح كريهة من أماكن متفرقة.
ووفقا لمراسل ((شينخوا)) فإن التجول وسط أحياء أم درمان القديمة محفوف بالمخاطر ويستلزم كثيرا من الحذر بسبب أن الشوارع ما تزال مليئة بالرصاص والذخائر، فيما لا تزال قذائف الأربيجيه (وهي قاذفة صاروخية مضادة للدبابات) مغروسة في جدران المنازل ومحيطها.
ولاحظ المراسل انتشار متطوعين في بعض أحياء مدينة أم درمان لجمع الجثث المتحللة وإعادة توصيل كوابل الكهرباء ورفع الأنقاض من واجهات المنازل ومداخل الأسواق الرئيسية.
وأشار مراسل ((شينخوا)) بأم درمان إلى أن الجيش السوداني بات يسيطر على ما يزيد عن 65 % من جملة مناطق المدينة،وتبقت أجزاء صغيرة ما تزال مناطق سيطرة لقوات الدعم السريع وتنحصر في غرب المدينة ومنها جزء من محلية أم بدة، وسوق ليبيا، والفتيحاب ومنطقة صالحة".
وأوضح أن محلية (كرري) تعتبر أكثر مناطق أم درمان أمنا واستقرارا، بسبب أنها لم تشهد مواجهات مباشرة بين الدعم السريع والجيش.
وعادت أسواق رئيسية في مدينة أم درمان للعمل، وخاصة سوق (صابرين) وهو سوق مركزي يلبي احتياجات مناطق أم درمان الشمالية والوسطي، وفقا لمراسل ((شينخوا)).
وتعتبر مدينة أم درمان هي ثاني أكبر مدينة في السودان من حيث المساحة وعدد السكان، وتشكل الجزء الكبير من ولاية الخرطوم عاصمة البلاد وتقع على طول الضفة الغربية لكل من نهر النيل والنيل الأبيض قبالة مدينة الخرطوم ومدينة الخرطوم بحري، وهي مقسمة أداريا إلى ثلاث محليات هي محلية كرري، ومحلية أم بدة ومحلية أم درمان الكبري.
وكانت أم درمان مسرحا لمعارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، وبسطت قوات الدعم السريع في بدايات الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023،سيطرتها علي معظم مناطق محليتي (أم درمان الكبري) و(أمبدة)، فيما حافظ الجيش السوداني على غالب مناطق محلية كرري التي يوجد بها أكبر قواعد الجيش وهو (قاعدة وادي سيدنا).
ومنذ مارس الماضي مالت الكفة العسكرية لصالح الجيش السوداني الذي تمكن من استعادة السيطرة علي كل محلية أم درمان الكبري،والتي يسميها البعض أم درمان القديمة، فيما يقاتل الجيش من أجل استرداد مناطق ما تزال تحت سيطرة الدعم السريع في محلية (أم بدة).
ومنذ 15 أبريل 2023، يدور نزاع مسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
ووفقا لآخر إحصائية لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، فقد أدي النزاع المسلح إلى مقتل 13 ألفا و100 شخص، وجرح 26 ألفا و51 آخرين.
وتسبب القتال الذي اندلع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى فرار حوالي 8.1 مليون شخص من منازلهم في السودان،من بينهم حوالي 6.3 مليون شخص نازح داخل السودان و1.8 مليون شخص آخر فروا إلى الخارج ، وفقا لاحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا".
ويواجه 18 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد جوعا حادا بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة،باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.