روابط ذات العلاقة
في ظل التغيرات الكبيرة التي تحدث على العالم، باتت دول الشرق الأوسط تولي وجهها شرقا، وفي الشرق الأقصى، تقابلها الدول الآسيوية بالنظر غربا، الشيء الذي يعزز علاقات التعاون البراغماتي بين الجانبين أكثر فأكثر. وفي إطار هذا التوجه، أجرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا خلال الأيام القليلة الماضية، زيارة إلى دول الخليج. لكن بعض وسائل الإعلام فسرت هذه الزيارة على أنها "مواجهة للنفوذ الصيني". وفي هذا الصدد، نشر سون ديقانغ، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فودان ونائب رئيس جمعية الصين والشرق الأوسط مقالا، أشار فيه إلى أن الدول الآسيوية يجب أن تتجاوز فخ المنافسة الاستراتيجية، وتسهم بشكل إيجابي في دعم التنمية المتناغمة لمنطقة الشرق الأوسط.
السياسات الغربية تعرقل حل قضايا الشرق الأوسط
لوقت طويل، ظل الشرق الأوسط منطقة ملغومة بالصراعات. حيث عاشت المنطقة طويلا على وقع الحروب الطائفية والأهلية والنزاعات الإقليمية وقضايا اللاجئين وغيرها من الأزمات. كما عانت دول المنطقة من التدخل العسكري وغير العسكري من عدة قوى كبرى، على رأسها الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، مارست الدول الغربية طويلا سياسة فرق تسد والحرب بالوكالة، مما عمّق الأزمات الداخلية للمنطقة وحوّلها إلى قضايا أمنية عالمية.
على الطرف النقيض، طرحت الصين "مبادرة الأمن العالمي"، التي دعت إلى التمسك بالحوار بدلاً من المواجهة والشراكة بديلا عن التحالفات. وقد وجدت المبادرة الصينية صدا قويا لدى دول الشرق الأوسط، وقدّمت مساهمات ملموسة في السلام بالمنطقة.
وفي مارس من هذا العام، نجحت الصين في تسهيل المصالحة بين السعودية وإيران، مما دفع نحو "موجة من المصالحة" في كامل أرجاء الشرق الأوسط. في الأثناء، أخذت مكاسب السلام التي جلبتها الصين إلى الشرق الأوسط تتحول تدريجياً إلى عائد إنمائي. حيث حولت المملكة العربية السعودية وإيران سيوفهما إلى محاريث، مما أسهم في تحسين بيئة الاستثمار في منطقة الخليج وأرسى أسسا جديدة للتعاون البراغماتي بين دول المنطقة والدول الأخرى.
التنمية مفتاح قضايا الشرق الأوسط
بعد أحداث 11 سبتمبر، اعتقدت الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية أن السبب الجذري للاضطرابات في الشرق الأوسط يعود إلى نقص الديمقراطية. وعلى ضوء هذا الاستنتاج، عملت الولايات المتحدة بنشاط على الترويج لـ "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير"، وتعزيز "حقوق الإنسان وسيادة القانون والحرية" في المنطقة. لكن الواقع أثبت، بأن الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية لا تهتم بمسألة الديمقراطية في الشرق الأوسط، بقدر محاولتها تحويل حلفائها في المنطقة إلى أدوات مواجهة.
ومن منظور الصين وعدة قوى عقلانية أخرى، فإن التناقض الرئيسي في الشرق الأوسط يكمن في التنمية. فالتنمية غير الكافية وغير المتوازنة باتت تمثل عائقا أمام دول الشرق الأوسط لتحقيق الازدهار. وخلال السنوات العشر الأولى مما سمي بـ "الربيع العربي"، سقطت دول الشرق الأوسط في دوامة اللعبة الصفرية، وضاعت الكثير من فرص التنمية. في الأثناء توسعت فجوة التنمية بين الشرق الأوسط والعالم أكثر.
وبفضل الجهود المشتركة التي بذلتها الصين والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، عززت "موجة المصالحة" في الشرق الأوسط الانتقال من "الشرق الأوسط القديم"، القائم على الحرب والصراع إلى "الشرق الأوسط الجديد" القائم على السلام والتنمية. وبادرت دول الشرق الأوسط للعمل على تفادي "فخ ثوقيديديس" خارجيا، وتجنّب مأزق الدخل المتوسط داخليا.
الدول الآسيوية تضخ قوة جديدة في التنمية الشرق أوسطية
بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا إيلاء اهتمامًا أقل بشؤون الشرق الأوسط. وعلى نقيض ذلك، سعت الدول الآسيوية إلى تحقيق مصالح جيواقتصادية ورفع مستوى تعاونها مع دول هذه المنطقة.
وتعتقد الدول الآسيوية عمومًا أنه لا يوجد رابح في النزاعات، وأن الأمن غير قابل للتجزئة، ولا يمكن لدول الشرق الأوسط التعايش إلا في إطار سلام شامل. وهو ما يتطلب من الدول الكبرى من خارج المنطقة العمل على تعزيز المصالحة والسلام من خلال الحوار والتنمية، والعمل بنشاط على توسيع دائرة التعاون والأمن المشترك.
ومع دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من تاريخه، أخذت التنمية مكان الأمن كمركز الاهتمام الإقليمي. كما وجهت الدول الآسيوية الكبرى اهتمامها إلى الشرق الأوسط من أجل التعاون الدولي.
لكن في الوقت الذي تخرج فيه دول الشرق الأوسط من دوامة "حروب الوكالة" المدعومة غربيا، تعمل أيضا على تجنّب الوقوع مرة أخرى ضحية للتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى الأخرى من خارج المنطقة. ويعتقد خبراء غربيون أن خطة "ممر النمو الآسيوي الأفريقي" الهندية اليابانية، و "خطة البوابة العالمية" للاتحاد الأوروبي، و "خطة الشبكة الزرقاء" للولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وخطة "إعادة بناء عالم أفضل" لمجموعة السبع وخطة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار وغيرها من الخطط، تهدف جميعها إلى إضعاف مبادرة الحزام والطريق.
أمام هواجس التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، تحتاج القوى الآسيوية إلى ضخ زخم جديد في التنمية بدول الشرق الأوسط، بدلاً من الانخراط مع الدول الغربية في إطار منافسة شرسة على التكنولوجيا والبنية التحتية في منطقة الشرق الأوسط. والعمل على دعم التعاون الدولي بناء على قواعد السوق، وتجنب تسييس قضايا التنمية والتعاون العلمي والتكنولوجي أو تسليح الاعتماد المتبادل. لأن الشرق الأوسط كبير بما يكفي، ويحتوي على فرص تنموية كافية.
وبالنظر إلى دول الشرق الأوسط، يمكن القول إنها باتت تتمتع باستقلالية استراتيجية، ولا ترغب في الانخراط في المنافسة بين القوى الكبرى. وتولي اهتمامها بشكل أساسي إلى تحسين مستوى معيشة مواطنيها ومواجهة التحديات المحلية. وفي سياق الثورة الصناعية الرابعة، تحتاج دول الشرق الأوسط إلى إقامة شراكات شاملة مع الدول الآسيوية، إذا أرادت مواكبة وتيرة الاقتصاد الرقمي وتحول هيكل الطاقة. حيث تعد التنمية بمثابة القيمة المشتركة بين جميع دول آسيا. كما أن الاعتماد المتبادل بين الشرق الأوسط ودول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا في مجالات التجارة والطاقة من شأنه أن يعزز بناء المصير المشترك لقارة آسيا بأكملها.