عقدت وزارة التجارة والصناعة الهندية مؤخرًا اجتماعاً حضره ما يصل إلى اثنتي عشرة وزارة ولجنة لمناقشة سبل تقليل واردات المنتجات من الصين، من أجل حل مشكلة "اختلال التوازن التجاري بين الصين والهند". ويعتقد بعض المحللين أن حكومة مودي تنوي إطلاق "نسخة هندية" من الحرب التجارية مع الصين.
ظلت الهند منذ ما يزيد عن 10 سنوات تناقش مشكلة العجز التجاري مع الصين. لكن مع التحول الكبير في الاستراتيجية الدبلوماسية للهند خلال السنوات الأخيرة، تطورت هذه القضية تدريجياً لتصبح واحدة من أهم القضايا بعد الخلافات الحدودية بين البلدين. ووفقًا للبيانات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية في 13 يناير المنقضي، بلغت قيمة صادرات الصين إلى الهند إلى 118.502 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرت بـ 20٪ ( 97.521 مليار دولار) عن عام 2021. في الأثناء تراجعت قيمة الواردات الصينية من الهند من 28.144 مليار دولار في عام 2021 إلى 17.483 مليار دولار في عام 2022، منخفضة بما يزيد عن 10 مليارات دولار أمريكي. ونتيجة لذلك، وصل العجز التجاري للهند مع الصين إلى 101.02 مليار دولار أمريكي في عام 2022، متجاوزًا 100 مليار دولار أمريكي للمرة الأولى.
في الواقع، وبناءً على حجم السكان والحجم الاقتصادي للصين والهند، وقربهما الجغرافي، كان ينبغي أن يكون حجم التجارة بين البلدين أكبر بكثير مما هو عليه الآن. وفي هذا الصدد، قال كولكارني، الرئيس السابق لمؤسسة "أوبزيرفر ريسيرش" بمومباي، وهي مؤسسة فكرية معروفة في الهند، إنه بالنظر إلى عدد السكان وحجم السوق والتنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة في الصين والهند، فإن حجم التجارة بين الصين والهند يمكن أن يصل إلى 300 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك، فإن الحجم الحالي الصغير نسبيا، قد جعل الحكومة الهندية تقلق بشأن العجز التجاري، والسبب الرئيسي في ذلك، يعود إلى الحسابات السياسية.
أحد الحسابات السياسية التي تدفع نحو الخلاف التجاري، هو أن الهند تعتبر الصين منافسا استراتيجيا في تصورها للسياسة الخارجية. وبسبب هذا الموقف، تعتقد النخب السياسية الهندية أنه كلما زاد اعتماد الهند على التجارة مع الصين، سيضعف نفوذها الاستراتيجي في مقابل الصين. وكلما زادت احتمالية استخدام الصين لسلاح التجارة لاحتواء الهند، أثناء تدهور العلاقات بين البلدين.
ثانيا، أن النخبة الهندية تتمسك بموقف يرى بأن العجز التجاري يعني خسارة الطرف الذي تسجل تجارته الخارجية عجزا. وهذه المخاوف تنبع أساسا من الذاكرة التاريخية الهندية أثناء فترة الاستعمار البريطاني. ولهذا السبب، يرى بعض المعلقين الهنود إن الهند يجب ألا تستمر في "التضحية بنفسها" لتحقيق النهوض الاقتصادي الصيني. كما يتكهنون بأنه كلما كانت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند والصين أوثق، كلما تم إلحاق أضرار أكبر بالمزيد من الصناعات الهندية. حتى أنهم رددوا نفس العبارات المشوهة التي أدلى بها بعض السياسيين، بالقول أن التنمية الاقتصادية الصينية "مفترسة ".
ثالثا، يعتقد بعض الخبراء في الهند أنه إذا تم التعاون مع الولايات المتحدة في قمع الصين اقتصاديًا وتجارياً واستراتيجيًا، فإن الهند بإمكانها استبدال الصين كمصنع عالمي. وفي عمل الولايات المتحدة على نقل وفصل السلسلة الصناعية عن الصين، أصبح المزيد من الهنود يؤمنون بـ"نظرية الفرصة"، معتقدين أن الهند يمكن أن تغتنم فرصة إعادة تشكيل العالم.
ومع ذلك، فإن محاولة الهند الانفصال عن الاقتصاد الصيني سيعود عليها بالمزيد من الأضرار الاقتصادية. لكن هذا التوج لا يتوافق مع العقلانية الاقتصادية في عصر العولمة. وخير مثل على ذلك هو الحرب التجارية التي شنتها أمريكا على الصين، والتي ستبلغ ذكراها السنوية الخامسة خلال الشهر المقبل. حيث فشلت هذه الحرب في أن تؤثر بشكل كبير على التجارة الصينية الأمريكية. بل تشير التقديرات الأولية إلى أن حجم التجارة الصينية الأمريكية في عام 2022 قد وصل إلى رقم قياسي بحوالي 760 مليار دولار أمريكي. وبالمثل، فإن سلسلة الإجراءات التجارية السابقة التي اتخذتها الهند ضد الصين كانت لها نتائج مماثلة تقريبًا. وإذا أصرت الهند على "فصل" علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، فإن النتيجة الوحيدة هي تعمق تبعية السياسة الهندية تجاه الصين للولايات المتحدة. مما سيدفع العلاقات الصينية الهندية إلى مزيد من التدهور، وستفقد الهند المزيد من فرص التنمية.
تحتاج معالجة مشكلة اختلال التوازن التجاري للهند مع الصين إلى التخلي عن الحسابات السياسية. وبدلاً من إلقاء اللوم على الصين بشكل دائم، يجب علينا أولاً قبول الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن الاقتصادين الصيني والهندي في مراحل مختلفة من التطور. وأن تقليص الاختلال يمكن تحقيقه تدريجيا من خلال توسيع إجمالي حجم التجارة بين الصين والهند. وهذه هي الخلاصة التي توصلت لها الصين والبلدان المجاورة من تجربتها في معالجة الاختلال في الميزان التجاري خلال الـ 20 أو الـ 30 سنة الماضية..