أقرت المفوضية الأوروبية لوائح جديدة لتخزين الغاز في يونيو من العام الحالي. حيث طلبت من الدول الأعضاء ملء 80 ٪ من سعة مرافق التخزين بحلول نوفمبر من نفس العام، في خطوة تهدف لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي والاستعداد لفصل الشتاء المقبل.
وفقًا للبيانات الصادرة عن تحالف شبكة أنابيب الغاز الطبيعي الأوروبي، انخفضت الإمدادات الروسية من الغاز إلى أوروبا بنحو 82٪ إلى غاية 4 أكتوبر الماضي، نتيجة لفرض الاتحاد الأوروبي بفرض 8 جولات من العقوبات ضد روسيا استمرت من فبراير إلى أكتوبر من هذا العام. في ذات الوقت، تم تصدير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي (LNG) بكميات كبيرة إلى أوروبا. وتشير الإحصاءات إلى الولايات المتحدة قد أرسلت في شهر سبتمبر الماضي 87 سفينة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، بحمولة إجمالية تبلغ 6.3 مليون طن. تم شحن ما يقرب من 70٪ منها إلى أوروبا، وهو أعلى بكثير من 56٪ و 63٪ خلال شهري يوليو وأغسطس تباعا. وحتى شهر يونيو، بلغت شحنات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية إلى أوروبا 39 مليار متر مكعب، وهو رقم يتجاوز حجم الكمية للعام الماضي بأكمله.
ومع ذلك، وجدت العديد من الدول الأوروبية أن سعر الغاز الطبيعي الذي ترسله الولايات المتحدة ليس "صديقا". ونقلت صحيفة "بيزنس إنسايدر" عن مصادر مطلعة على الصناعة قولها إن حمولة سفينة واحدة من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بحوالي 60 مليون دولار، وصل سعرها بعد شحنها إلى أوروبا إلى حوالي 275 مليون دولار، بزيادة قدرها 358٪. وتحقق كل ناقلة غاز طبيعي مسال أرباحا تتجاوز 150 مليون دولار.
وقالت وكالة فرانس برس إن سعر واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية من الولايات المتحدة، قد تجاوز سعر إمدادات خطوط أنابيب الغاز الروسية بثلاث مرات على الأقل. كما نقلت وسائل الإعلام عن بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قولها إن سعر الغاز الطبيعي المسال المُصدَّر من الولايات المتحدة بلغ 12.76 دولارا لكل ألف قدم مكعبة في شهر يوليو، بزيادة سنوية قدرها 76.5٪، في حين وصل السعر في يونيو مستوى 14.37 دولارًا أمريكيًا، بزيادة سنوية قدرها 119٪.
نتيجة لهذه الزيادة، حقق عمالقة الطاقة في أمريكا أرباحا فلكية. على سبيل المثال، سجلت شركة "شينير اينيرجي"، أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة خلال الفصل الثاني من العام، أرباحًا صافية قدرها 741 مليون دولار. في حين منيت في نفس الفترة من العام الماضي بخسائر قدرت بـ 329 مليون دولار. كما جنت شركات الطاقة الأمريكية العملاقة إكسون موبيل وشيفرون وغيرها مكاسب مذهلة.
وفي هذا الصدد، قال الأستاذ بكلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الأجنبية وانغ شو، " إن نقطة البداية للجولة الحالية من أزمة الطاقة في أوروبا هي الصراع الروسي الأوكراني. ولفترة من الزمن، واصلت الولايات المتحدة انخراطها في الصراع، في محاولة لتعزيز سيطرتها على أوروبا في مجال الطاقة والأمن والتمويل ومجالات أخرى ".
وجراء السياسات الأمريكية، تدفع الدول الأوروبية ثمنا باهظا. حيث تظهر الإحصائيات الصادرة عن الإدارة الاقتصادية والتجارية الفيدرالية الألمانية أنه في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ارتفع إنفاق ألمانيا على استيراد الغاز الطبيعي إلى 26.3 مليار يورو، مقارنة بـ 10.1 مليار يورو فقط في العام الماضي؛ وانخفض حجم الواردات بنسبة 22.9٪ في نفس الفترة من هذا العام لكن التكلفة زادت 160٪. وأشار المطلعون على الصناعة إلى أن الإنفاق على الغاز الطبيعي في أوروبا هذا الشتاء سيصل إلى 10 أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة.
حلل دينغ تشون، مدير مركز الدراسات الأوروبية في جامعة فودان، أنه حتى لو كانت إمدادات الغاز بالكاد مضمونة، فإن الدول الأوروبية ستتحمل سلسلة من الضغوط الناجمة عن الأسعار المرتفعة. وأن ارتفاع تكاليف الإنتاج للشركات ذات الصلة سيؤدي إلى إعادة توطين الصناعة، وتعديل الهيكل الصناعي، وسترتفع تكلفة المعيشة للأسر الفقيرة. مما سيستدعي الحاجة إلى مزيد من الإعانات الحكومية؛ وسيزداد تراكم العجز المالي والديون العامة، كما سيرتفع خطر الركود الاقتصادي.
وكانت عدة دول أوروبية قد وجهت مؤخرا انتقادات للولايات المتحدة على "كسبها الأرباح من خلال الطاقة". حيث قال نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك في مقابلة قبل أيام قليلة، إن بعض الدول "الصديقة" تزود ألمانيا بالغاز الطبيعي بأسعار باهظة لكسب "غنائم الحرب" من خلال الاستفادة من الصراع الروسي الأوكراني. وانتقد وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي لومير القوة الاقتصادية الأمريكية في خطاب ألقاه في الجمعية الوطنية قبل أيام قليلة.
وأشار دينغ إلى "المعايير المزدوجة" للولايات المتحدة في التعامل مع أسعار الطاقة تظهر نيتها في البحث عن الربح". مضيفا بأن أوروبا تدرك أنه لايمكنها الاعتماد كليا على إمدادات النفط والغاز من الولايات المتحدة.
وقالت يان جين، المديرة التنفيذية لمركز الدراسات الأوروبية في جامعة رينمين الصينية، إن الولايات المتحدة "تستغل النار المشتعلة" في أوروبا في مجال الطاقة وتضحي بمصالح حلفائها لحماية لكسب الأرباح. الأمر الذي سيؤثر على الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الولايات المتحدة وأوروبا.
من وجهة نظر وانغ شو، وفي ظل استمرار الصراع الروسي الأوكراني، سيصعب على أوروبا التحرر من السيطرة الأمريكية بالكامل. ولفترة من الزمن في المستقبل، ستظل الولايات المتحدة وأوروبا تظهران" التضامن "بين الحلفاء على السطح ، لكن الخلافات بين الجانبين قد تتعمق أكثر".