يرى تقرير استراتيجية الأمن القومي الأميركية التي أصدره البيت الأبيض مؤخراً، والذي قيل إنه تأثر بالصراع الروسي الاوكراني، أن الصين هي "التحدي الأكبر للنظام العالمي"، ويجب على أمريكا الفوز في المنافسة مع الصين. ويأتي التقرير الذي تسوده رائحة الهيمنة القوية ليكشف مرة أخرى عن عقلية الحرب الباردة العميقة الجذور والقلق الاستراتيجي المتزايد لأمريكا.
وليس من الصعب أن نجد عند الاطلاع على تقرير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة أن إدراك إدارة بايدن لقضية المنافسة الاستراتيجية مع الصين لم يتجاوز الإدراك السابق. وإن الجديد فيما يسمى بـ "الأفكار الجديدة" التي تناولها التقرير، هو استهداف الحكومة الأمريكية الصين بشكل أكثر علانية، وتعرف الصين بلا خجل على أنها "المنافس الأول".
ونقلت رويترز عن دانيال راسل مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق قوله، إن "(عامل) المنافسة مع الصين يتخلل كل فصل" و "من الواضح أن استراتيجية اليوم تحولت إلى تركيز ساحق على المنافسة مع الصين". ويعتقد بعض المحللين أن إدارة بايدن قامت "بتنظيم" سياستها تجاه الصين في النسخة الجديدة من تقرير "استراتيجية الأمن القومي": زيادة الاستثمار المحلي لتحسين القدرة التنافسية الاقتصادية والتكنولوجية، والاعتماد بشكل أكبر على شبكة التحالف الأمريكي لكبح جماح الصين.
لم تدخر إدارة بايدن منذ تولي الأخير منصبه، أي جهد في تضخيم المنافسة بين القوى العظمى. وفي مهاجمة الصين والافتراء عليها في المجال الأيديولوجي، وتقييد تنمية الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا، واستخدام الأدوات المالية للضغط على الشركات الصينية، وتكثيف تشكيل "زمرة مناهضة للصين" ليسد طريق تنمية الصين ... تظل جميع أنواع الإجراءات كما هي، والغرض الأساسي منها هو التنافس مع الصين في مختلف المجالات، واحتواء الصين في جميع الجوانب، وبالتالي الحفاظ على هيمنتها العالمية. ويقف وراء هذا الوضع التنافسي العدواني منطق القوة لهيمنة أمريكية واحدة، مما يسلط الضوء على القلق الشديد الذي تشعر به أمريكا تجاه تنافسها مع الصين.
هل تشكل الصين القوية تهديدًا للولايات المتحدة والعالم مثل ما يعتقده بعض الساسة الأمريكيين؟ أكيد لا. حيث تشير الحقائق إلى أنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لم تثر الصين أبدًا أي حرب أو صراع، ولم تغزو شبرًا واحدًا من أراضي الدول الأخرى. وتتمسك الصين بمفهوم التنمية السلمية، وتحافظ بنشاط على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وتدعم بقوة النظام الدولي. وقد ضخت الإجراءات العملية زخما قويا في الحفاظ على السلام العالمي، وقدمت التنمية الجديدة للصين فرصا جديدة للعالم.
وفي حديثه عن تقرير استراتيجية الأمن القومي الجديد، أشار دانييل راسل إلى أن التقرير يدعي بناء تحالف واسع يتضمن العديد من الدول لمواجهة التحديات العالمية، لكن سيكون من الصعب الاستغناء عن التعاون الصيني. ومع ذلك، فقد وقع بعض السياسيين الأمريكيين في جنون العظمة المتمثل في "الاضطهاد الصيني"، والتكهن بشدة بما يسمى "التهديد الصيني"، مما أدى إلى تضخيم ما يسمى بـ "التحدي الصيني" بدون سبب، ودفع العلاقات الثنائية باستمرار نحو منافسة.
والجدير بالذكر أنه في الوقت الذي تم فيه تعريف الصين على أنها "التحدي الجيوسياسي الأكبر" في تقرير النسخة الجديدة من استراتيجية الأمن القومي، فإنها تؤكد أيضًا على إمكانية "التعايش السلمي"، على أمل أن تتمكن الولايات المتحدة من الفوز بالمنافسة الاستراتيجية ضد الصين بطريقة سلمية. ومع ذلك، يمكن لأي شخص لديه نظرة فاحصة أن يرى بوضوح أن ما يسمى بـ "التعايش السلمي" للولايات المتحدة يعني أنها ستستمر في تعزيز "الانفصال" عن الصين، وقطع الإمدادات، ورفع الضرائب، وزيادة الاحتواء العسكري ضد الصين، وتحمل عناء استفزاز دول ومناطق أخرى لمواجهة الصين.
تتحمل الصين وأمريكا، بصفتهما أكبر دولة نامية وأكبر دولة متقدمة، مسؤوليات رئيسية في الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين وتعزيز الرخاء الاقتصادي والتنمية. والتعاون بين البلدين سيفيد كلاهما، بينما المواجهة ستضر بكليهما. وإذا كانت أمريكا تريد حقًا الحفاظ على قدرتها التنافسية العالمية، فعليها تنحية عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن، والتمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، والعمل مع الصين في نفس الاتجاه لدفع البلدين نحو مسار التنمية السلمية المستقرة. وهذه هي الطريقة الصحيحة التي تعود بالفائدة على الأخرين.