واشنطن 2 يناير 2021 (شينخوا) قبل وباء كوفيد-19، كان معظم الأمريكيين مقتنعين بالقصص التي كانت واشنطن تروجها في كل مكان، والتي صورت البلاد على أنها مدافع ثابت وقوي عن حياة الناس والمساواة والإنصاف.
ومع ذلك، فقد تطورت قصة مختلفة تماما عن ذات بطل الرواية مع تكشف مجموعة واسعة من الكوارث في الولايات المتحدة خلال عام 2020، بدءا من الاستجابة الكئيبة لكوفيد-19 إلى الانتخابات الأكثر إثارة للانقسام في التاريخ الأمريكي.
تماما كما كتب الكاتب الأمريكي إيفان أوسنوس في كتابه المنشور مؤخرا، "أدت أحداث عام 2020 إلى تعرية بعض القصص الأساسية التي نرويها نحن الأمريكيون لأنفسنا".
-- فشل في احتواء كوفيد-19
قال أوسنوس "لقد فشلت أغنى وأقوى دولة في العالم حتى في استجاباتها البدائية للوباء -- في العثور على أقنعة الوجه وإجراء الاختبارات".
ووفقا للإحصاء في الوقت الحقيقي الذي تحتفظ به جامعة جونز هوبكنز، سجلت الولايات المتحدة أكثر من 20.1 مليون حالة إصابة بكوفيد-19 وأكثر من 347 ألف وفاة ذات صلة، لتتصدر العالم من حيث عدد الحالات والوفيات على حد سواء.
وذكر سورابه غوبتا، وهو زميل بارز في معهد الدراسات الصينية الأمريكية في واشنطن، في مقابلة حديثة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) أن "هذا رقم صاعق ومذهل"، مضيفا أنه "مع ذلك، لا يزال يتعين علينا التعامل مع المناقشات غير المنطقية حول الحريات الفردية وارتداء أقنعة الوجه".
وعزا الخبراء فشل الولايات المتحدة في احتواء الفيروس إلى غياب إستراتيجية وطنية، وسياسات مسيّسة، فضلا عن التضليل ونظريات المؤامرة التي سمحت للوباء بالترسخ والتفشي.
وصرح ساروار أيه.كاشميري، وهو محلل مختص بالعلاقات الدولية في جامعة نورويتش لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن "الفراغ في القيادة، إلى جانب عدم الكفاءة في البلاد لاتخاذ إجراء مبكر لمنع انتشار الفيروس حتى بعد تحديد فيروس كوفيد-19" أسهم كل ذلك في فشل الولايات المتحدة.
وأورد مقال نُشر تحت عنوان "أمريكا تحتاج إلى حسبة كوفيد-19" على الموقع الالكتروني لصحيفة ((ذي أتلانتيك)) في أوائل ديسمبر أنه "طوال فترة انتشار هذا الوباء، كانت السياسة عقبة أمام مبادرات الصحة العامة".
وقال جون مانزيلا، رئيس تحرير نشرة ((مانزيلا ريبورت))، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "في الولايات المتحدة، كان هناك قدر كبير من التضليل والارتباك حول كوفيد-19".
وأضاف أنه "نتيجة لذلك، ما زال العديد من الأمريكيين لا يفهمون أهمية ارتداء قناع الوجه أو التباعد الاجتماعي -- وهي مشكلة من المرجح جدا أنها أسفرت عن ارتفاع عدد ضحايا كوفيد-19".
كما حذر الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في البلاد، من أن الوباء "قد يزداد سوءا في الواقع" خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وطبقا لتوقعات صادرة عن معهد المقاييس الصحية والتقييم التابع لجامعة واشنطن، قد يفقد 193 ألف أمريكي آخرين حياتهم خلال الشهرين المقبلين.
-- تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات
ولفت مانزيلا إلى أن استعادة الثقة في المؤسسات الأمريكية، من قبيل حكومة جيدة ونظام انتخابي يعمل بشكل جيد وقضاء عادل وحقوق ملكية سليمة تحمي الاستثمارات ، هي تحد آخر يواجه البلاد.
لقد أشارت سلسلة من الأحداث غير المتوقعة مثل احتجاجات "حياة السود مهمة" وعنف السلاح المستعر وتشدد الصراعات بين الأحزاب والفئات الاجتماعية إلى أن المؤسسات الأمريكية تفقد ثقة الأمريكيين.
وأفاد مانزيلا أن "تراجع الثقة في المؤسسات الأمريكية يعادل إضعاف اللبنات الأساسية التي تدعم في نهاية المطاف نموذجنا لتكوين الثروة".
وبحسب الخبراء، فإن العرض الذي صاحب مؤخرا الانتخابات الرئاسية الأمريكية بات يعمل كمحفز لمثل هذه العملية التي تقود إلى تآكل ثقة الأمريكيين في المؤسسات.
وفاز الرئيس المنتخب جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب بـ "فارق هائل بلغ 7 ملايين صوت شعبي" في انتخابات 2020، لكن لو غيّر "45 ألف صوت فقط" في ولايات جورجيا وأريزونا وويسكونسن تصويتهم، وهو ما يشكل "أقل من 1 بالمائة" من الفارق في التصويت الشعبي، لكان لكل من ترامب وبايدن 269 مقعدا في الهيئة الانتخابية، وفقا لغوبتا.
وأوضح غوبتا أن "نظام الهيئة الانتخابية في أمريكا معطل تماما".
وتابع أنه "ينعكس بشكل سيء للغاية على حالة أمريكا اليوم أنه في عام تكبدت فيه البلاد، بسبب افتقارها إلى قيادة سياسية صادقة، عددا من الوفيات يفوق عدد الضحايا في جميع صفوف القوات الأمريكية في جميع الحروب الأمريكية في القرن العشرين، باستثناء الحرب العالمية الثانية، فشل الرئيس الحالي في الاحتفاظ بمنصبه بفارق 45 ألف صوت فقط! وهذا أمر صادم للغاية".
وجاء في تقرير لمجلة ((تايم)) أن "هذا لم يكن الرفض التام لترامب والترامبية الذي كان يأمله الكثيرون. بدلا من ذلك، في بعض الأوساط، كان ذلك بمثابة احتضان، حيث زاد ترامب فعليا العدد الإجمالي للأصوات التي حصل عليها في عام 2016".
وقال التقرير إنها "صدمة، إن لم تكن مفاجأة، لأولئك الذين يتوقون إلى أن تفتح البلاد صفحة جديدة".
وذكر غوبتا أن "نظام الهيئة الانتخابية يكدس درجة لا داعي لها من الاستقطاب المصطنع والتحيز الريفي تجاه النظام السياسي، والتي في نهاية المطاف لها عواقب عالمية حقيقية مثل الاختيارات القضائية المثيرة للجدل. والتي بدورها، أدت بالنظام السياسي إلى مواصلة دفع نفسه نحو الأسوأ".
-- تهشم الاستثنائية الأمريكية
ولفت الخبراء إلى أن عام 2020 المضطرب قد ألقى مرة أخرى في بؤرة التركيز الشديد ما يسمى بالاستثنائية الأمريكية، وهو مفهوم أصبح مفارقة تاريخية في القرن الحادي والعشرين.
وكتب جيريمي كونينديك، وهو زميل بارز في مجال بحوث السياسات في مركز التنمية العالمية في مقاله المنشور في ((فورين أفيرز)) تحت عنوان "الاستثنائية تقتل الأمريكيين"، أن "الاستجابة الأمريكية الكارثية تجاه كوفيد-19 هي.. نتاج الانعزالية في السياسة والثقافة الأمريكية على نحو بأن الطريقة الأمريكية هي المثلى دائما، مما أعمى قادة البلاد (والعديد من مواطنيها) عن الدروس المنقذة للحياة المحتملة من دول أخرى".
على الصعيد المحلي، بُنيت الاستثنائية الأمريكية على أساس "سلسلة ريادة الأعمال الديناميكية الرائعة في البلاد، التي ضمنت انتقالا لا مثيل له بين الأجيال لسكانها"، بحسب غوبتا.
على الصعيد الدولي، بُنيت الاستثنائية الأمريكية على أساس "قوة القيادة الأمريكية التي تجسدت بشكل أفضل من خلال قوتها الذاتية كقدوة -- وبغض النظر عن القدرات العسكرية الهائلة التي تتمتع بها"، على حد قوله.
ولكن الآن، محليا، تعطلت "آلة الانتقال بين الأجيال الأمريكية مع تحقيق مكاسب اقتصادية لقمة هرم الدخل والثروة وما هو قريب من ذلك، وتبقى عبر الأجيال داخل هذه المجموعة الثرية"، كما أفاد غوبتا.
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة عانت من خسارة فادحة لمكانتها في حقبة ما بعد الحرب الباردة، نظرا لحروبها غير الشرعية العديدة وعدم التزامها بالقواعد الدولية ذاتها التي وضعتها بنفسها بعد الحرب العالمية الثانية".
وقال غوبتا "إنها لم تعد أيضا محركا للازدهار في الخارج كما كانت من قبل"، موضحا أن الولايات المتحدة "لم يعد بإمكانها أن تتوقع أن تقود بقوة القدوة؛ بل يجب أن تتعلم القيادة بتوافق الآراء باعتبارها الأولى بين متساوين حقيقيين خلال هذه الأوقات المشوبة بعدم اليقين".