أصدرت منظمة حلف شمال الأطلسي " الناتو" تقرير الإصلاح "الناتو 2030" للسنوات العشر القادمة في الأول من ديسمبر الجاري، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن روسيا ستظل المنافس الرئيسي للناتو في العقد المقبل، إلا أنه يجب على الناتو أن يفكر بجدية أكبر في كيفية التعامل مع الصين وصعودها العسكري. ويقال إن الناتو قد يستخدم الصين كأحد "التهديدات الأمنية" في نسخته الجديدة من "مفهومه الاستراتيجي".
وردا على ذلك، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ عن أملها في أن يؤسس الناتو وجهة نظر صحيحة عن الصين، ويتخذ نظرة عقلانية لتنمية الصين وسياساتها الداخلية والخارجية، والتركيز على القضايا التي تفيد الأمن والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي. وأن الصين ترغب في إجراء حوار وتعاون مع الناتو على أساس المساواة والاحترام المتبادل.
تهديد الصين .. مبالغة رسمية
ذكرت وكالة رويترز أن تقرير الإصلاح "الناتو 2030" طرح ما مجموعه 138 توصية، من بينها: تحديد أن روسيا ستظل أكبر خصم للناتو في السنوات العشر المقبلة، معتقدا أن الصين ليست معارضًا للناتو، وأن الأخير يحتاج إلى التعامل مع الصين بشأن قضايا مثل الحد من التسلح وتغير المناخ. ومع ذلك، فإن صعود الصين يشكل تحديًا كبيرًا، فمن المستحسن أن ينشئ الناتو هيئة استشارية لتنسيق السياسات الغربية تجاه الصين.
يعد تقرير الإصلاح "الناتو 2030" أحد الموضوعات الرئيسية لاجتماع وزراء خارجية الناتو الذي عُقد في الفترة من 1 إلى 2 ديسمبر، وفي العام المقبل، ستتخذ قمة الناتو قرارًا بشأن ما إذا كانت ستتبنى توصيات التقرير.
وقال دينغ تشون، مدير مركز الدراسات الأوروبية بجامعة فودان في تصريح لصحيفة الشعب اليومية، إن القوة الوطنية الشاملة للصين قد زادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصة زيادة القوة الاقتصادية والعسكرية والنفوذ الإقليمي، ما جعل بعض الدول الأوروبية تشعر بالقلق. ومن ناحية أخرى، فإن استهداف الناتو للصين مدفوع بسياسة الولايات المتحدة لاحتواء الصين.
الصراع من أجل البقاء
هذه هي المرة الأولى التي يُدرج فيها الناتو الصين رسميًا في "المفهوم الاستراتيجي" في تقرير الإصلاح. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن الغرض من تقرير إصلاح "الناتو 2030" هو بناء مستقبل الناتو، وتمت كتابة "المفهوم الاستراتيجي" الرسمي الأخير للناتو منذ 10 سنوات، ولم يتم ذكر الصين في ذلك الوقت.
قال تشانغ جيان، مساعد عميد معهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة ومدير المعهد الأوروبي، إن الولايات المتحدة تهيمن على الناتو، ولا غنى عن الولايات المتحدة لتقديم اقتراح الإصلاح هذا. وفي وقت مبكر من عام 2011، اقترحت إدارة أوباما استراتيجية "إعادة التوازن لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ"، مما أدى إلى تحويل التركيز الجيوسياسي إلى الصين. وزعمت الحكومة الأمريكية الحالية علناً أن الصين "عدو"، ولم تدخر جهداً لقمعها في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية.
ذكرت وكالة رويترز أن "تقرير الناتو 2030" صدر في وقت أصبحت فيه أهمية وجود الناتو موضع تساؤل على نحو متزايد. وفي عام 2019، صرح الرئيس الفرنسي ماكرون أن الناتو يعاني من "موت عقلي" بسبب نقص التنسيق الاستراتيجي والقيادة الأمريكية.
يعتقد تسوي هونغ جيان، مدير معهد الدراسات الأوروبية التابع لمعهد الصين للدراسات الدولية، أن الناتو مر بعملية الصراع من أجل البقاء بعد نهاية الحرب الباردة. "بالرغم من أن الصين ليست تهديدًا مثل روسيا وفقًا لبيان الناتو العلني، لكن الناتو يعتقد أن الصين قد تصبح تهديدًا لها. وبهذه الطريقة، لدى الناتو سبب آخر للوجود."
يعتقد تشانغ جيان أن إيجاد عدو جديد هو مسار تحول الناتو وتطوره بعد الحرب الباردة. وحتى الآن، لم ينجح هذا الجهد.
ضبابية المستقبل أمر لا مفر منه
جذب إصلاح حلف الناتو الانتباه لفترة طويلة. قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في وقت سابق إن الخطوة الأولى في دفع "الناتو 2030" هي التوصل إلى إجماع أوسع، و "عرض جميع القضايا التي تؤثر على الأمن على الناتو لمناقشتها"، و"تعزيز ديمقراطية صنع القرار داخل الناتو"، وعدم جعل الناتو تحالفًا عسكريًا فحسب، بل أصبح تحالفًا سياسيًا أيضًا.
يعتقد تشانغ جيان أن طبيعة حلف الناتو تحدد أنه لا يتوافق مع متطلبات التنمية السلمية في العالم اليوم. وحاز مفهوم التعاون المربح للجميع على دعم شعبي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وقد فشل الناتو في الماضي، في أن ينشأ نسخة آسيا والمحيط الهادئ من حلف الناتو، ولن يكون ذلك ممكنًا في المستقبل. وإذا توسع الناتو بالقوة ليشمل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فلن يكون الناتو بعد ذلك بالمعنى التقليدي لحلف الناتو، وسيصبح أكثر تعقيدًا، وفضفاضًا، وافتراضيًا، وتسييسًا.
"بالتأكيد، سيؤدي تعامل حلف الناتو للصين كمنافس محتمل و'عدو خيالي' إلى زيادة التوترات الإقليمية." قال دينغ تشون:" السلام والتنمية لا يزالان هما الاتجاه السائد في العالم، لكن السلام والاستقرار يعتمدان على القوة أيضًا. ويجب على الصين الحفاظ على التصميم الاستراتيجي، والتمسك بمسار التنمية السلمية، وتجنب السير نحو اتجاه يقوده الآخرون، وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون مستعدين لحماية حقوقنا المشروعة ومصالحنا الأساسية.