تحرير النص العربي: د. فايزة كاب
منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، غرقت ليبيا في حالة من الفوضى، وتفاقم الوضع إلى حد القتال بين قوات الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من قبل تركيا وقطر وبلدان أخرى، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعومة من قبل مصر، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، وبلدان أخرى.
لقد اجتذبت الجولة الجديدة من تصعيد النزاع في ليبيا اهتمام جميع الأطراف، وأصدرت فرنسا وألمانيا وإيطاليا مؤخرًا بيانًا مشتركًا يحث جميع الدول على الالتزام بقرار الأمم المتحدة لحظر الأسلحة و "إنهاء التدخل المكثف في ليبيا". ومع ذلك، شككت بعض وسائل الإعلام الأجنبية في أن فرنسا دعمت ذات مرة "الجيش الوطني" الليبي في مهاجمة المنظمات المسلحة الأخرى، وهو أيضًا تدخل في شؤون داخلية لليبيا. لكن، اللافت لنظر المتابعين والمراقبين والمحللين المهتمين بالشأن الليبي، يرى أن مصر وتركيا تتجهان تدريجياً نحو مقدمة النزاع في ليبيا. وتعتقد وكالة الأنباء الألمانية دويتشه فيله، أن مصر وتركيا تدعمان قوى سياسية مختلفة، وقد يكون هناك صراع مباشر في ليبيا.
وافق مجلس النواب المصري مؤخرا على إرسال قوات قتالية لخارج لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري. وأكد البرلمان المصري في بيان على موافقته على تفويض الجيش في إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية، للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي الغربي وضد أعمال العناصر الإرهابية الأجنبية. ويعتقد المحللون بأن هذا التفويض هو " ضوء أخضر " للتدخل العسكري المصري في ليبيا. وحسب تقرير وكالة "رويترز"، قالت الرئاسة المصرية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفقا في اتصال هاتفي يوم 20 يوليو الجاري على تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا وعدم التصعيد تمهيدا للبدء في تفعيل الحوار والحلول السياسية. وأعرب الجانب الروسي عن أن إرسال مصر لقوات لا يعني الحرب، ولكنه يمكن أن يوازن القوة العسكرية الإقليمية ويزيد فرص مفاوضات السلام.
ومن الناحية الأخرى، ذكرت تقارير إعلامية تركية، أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية اتخذت هجومًا واضحًا مؤخرًا بمساعدة تركيا، واستعادت معظم الجزء الشمالي الغربي من ليبيا وأنهت حصارًا استمر 14 شهرًا للعاصمة طرابلس من قبل "الجيش الوطني". كما نشرت تركيا في الأيام الأخيرة مدفعية وأسلحة ثقيلة أخرى في ليبيا لمساعدة قوات حكومة الوحدة الوطنية على الاستيلاء على مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية. وحسب وكالة أنباء أمريكية أسوشيتد برس، أرسلت تركيا 3000 من المرتزقة إلى ليبيا في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
أشار لي ويجيان، الباحث في معهد شنغهاي للدراسات الدولية ونائب رئيس جمعية الشرق الأوسط الصينية، في مقابلة صحفية مع صحيفة الشعب اليومية، إلى أن مشاركة تركيا البارزة في الوضع في ليبيا. أولا، إظهار نفوذهم كقوة إقليمية وحتى كقوة عالمية. ثانيا، اغتنام الفرصة لتوقيع مذكرة مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية للحصول على موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. ثالثا، استخدام قضية ليبيا لتحويل الانتباه المحلي، وضعف الاقتصاد المحلي ومعدل الدعم لحكومي. ومن الناحية المصرية، ترى الاخيرة أن الاضطراب في الجارة الغربية لليبيا سيجعل الوضع الأمني الإقليمي أكثر هشاشة، وهو ما قد يؤثر على استقرارها السياسي. وإصدار مصر إشارة تدخّل عسكري للتعبير عن دعمها القوي لـ "الجيش الوطني" تأتي من أجل تقييد العمليات العسكرية التركية. ويعتقد لي ويجيان، أنه عندما يهاجم أحد الأطراف هجومًا شديدًا، فإنه غالبًا ما يكون غير راغب في التفاوض على وقف إطلاق النار، لكن عندما تصل قوى جميع الأطراف إلى توازن نسبي وتصل الحرب إلى طريق مسدود، فإن احتمال وقف إطلاق النار سيزداد.
في الوقت الحاضر، تعتبر كل من مصر وتركيا "سهمًا على الخيط"، مما أثار قلق المجتمع الدولي بشأن الوضع في ليبيا. وقالت ستيفاني ويليامز المبعوثة الأممية الخاصة الى ليبيا بالنيابة في 20 يوليو الجاري، إن على الأطراف الليبية المتحاربة ومؤيديها الأجانب تجنب تصعيد النزاع. وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في اجتماع عبر الإنترنت لمجلس الأمن حول الوضع في ليبيا، أن الوقت ينفد لإنهاء النزاع في ليبيا بشكل سلمي. ودعت جامعة الدول العربية، خلال اجتماع لجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا عبر الفيديو يوم 23 يوليو الجاري، إلى وقف إطلاق النار والتدخلات الأجنبية في الشأن الليبي. كما ناقش الاجتماع السبل الممكنة لدعم استئناف الحوار السياسي الليبي-الليبي تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وفي اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري سامح شكري وعضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني يوم 24 يوليو الجاري، قال الأخير، إن الصين ترى أن حل القضية الليبية ينبغي أن يلتزم بالطرق السياسية وبمبدأ عملية يقودها ويملكها الليبيون، وأن طرفي الصراع ينبغي أن يوقفا إطلاق النار على الفور ويدفعا المفاوضات ذات المسارات الثلاثة بشأن السياسة والاقتصاد والجيش بالتوازي. مشيرا إلى ضرورة دعم الأطراف المعنية الأمم المتحدة باعتبارها القناة الرئيسية للوساطة وتجعل منظمات إقليمية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي تضطلع بأدوارها الفريدة بشكل أفضل في نفس الوقت. وأضاف وانغ أن حركة الإرهابيين الأجانب عبر الحدود ينبغي منعها أيضا حتى لا تصبح ليبيا مرتعا للإرهاب مرة أخرى. وذكر وانغ أن الصين ترغب في الحفاظ على تواصل وتنسيق وثيقين مع جميع الأطراف المعنية والقيام بدور بناء في دفع وقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام.
ومن جانبه، صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مؤخرًا، أن روسيا ستشجع جميع قوى التدخل الخارجية على العمل من أجل حل الأزمة الليبية سلميا. كما شدد البيت الأبيض في بيان صادر مؤخرا، على ضرورة الوقف الفوري للتصعيد في ليبيا، من خلال وقف إطلاق النار والتقدم في المفاوضات السياسية والاقتصادية.
يعتقد لي ويجيان أنه بالإضافة الى الدول الأجنبية الكبرى مثل مصر وتركيا، فإن على رقعة الشطرنج الليبية هناك قوى أجنبية أخرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. كما يتوقع أن تكون المفاوضات المستقبلية عملية شاقة أيضًا، وستستمر القوى المختلفة في التنافس، وقد تستمر حالة "المحادثات والقتال" لفترة طويلة. مضيفا، أن إمكانية التدخل العسكري المباشر من قبل القوى الكبرى في ليبيا صغيرة نسبيًا، ومن المرجح أن يختار "الوكلاء" لعبة المصالح والتشغيل.