دمشق 9 ديسمبر 2019 (شينخوا) بعد حوالي تسع سنوات على بداية الحرب في سوريا، لم تؤثر الأزمة على الواقع الميداني والسياسي فحسب، بل أثرت في الوضع الاقتصادي، الذي انعكس على مستويات العيش للأسرة السورية.
وبات للمرأة دور رئيسي في إعالة منزلها إلى جانب زوجها، من أجل تأمين النفقات المتزايدة وتحسين مستوى الحياة، في الوقت الذي كان هنالك بعض الأسر التي تعيلها النساء فقط، بعد أن ذهب الرجال إلى جبهات القتال.
ولم تكن مهمة الحصول على فرصة عمل أمرا سهلا بالنسبة للرجال، والمهمة تزدادُ صعوبة بالنسبة للنساء وربّات البيوت اللواتي قضين سنوات طويلة في تربية الأطفال بعيداً عن سوق العمل.
واضطرت دانيا الموصلي (33 عاما) أن تساعد زوجها خلال الحرب لكسب العيش، حالتها حالة ملايين النساء السوريات اللواتي وجدن أنفسهنّ معيلات لأسرهنّ.
وجدت دانيا مشروعها الخاص، الذي يضمن استقلالها الاقتصادي، وتأمين مردود مادي لعائلتها، وبذات الوقت يضمن لها عملاً لا يتطلب الخروج إلى الشارع، ولا يتعارض مع العادات والتقاليد السورية.
وبدأت مطبخها الصغير الذي أطلقت عليه اسم "مطبخ دانيا" منذ العام 2017، وتوسّع شيئاً فشيئاً، وقررت أن تطهي وتعدّ الوجبات ثم تبيعها حسب الطلب.
وتحدثت دانيا وهي أم لأربعة أولاد، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنها بدأت صناعة قطع لفافات الجبنة المقلية التقليدية، التي عادة ما تكون بمثابة المقبلات.
وقالت "لقد بدأت في إعداد أطباق لفافات الجبنة المقلية وإرسالها للمنازل المجاورة، وبعد شهر، بدأت أتلقى الطلبات بشكل تدريجي وحصلت على المزيد من الزبائن".
وتردّد دانيا عبارة أن "الضربة التي لا تقتلك، تجعلك أقوى"، في إشارة إلى معاناتها مع الأزمة السورية، التي لم تحطمها بل جعلتها مدركة لإمكاناتها الكامنة والكاملة.
وقالت "لقد ساعدتني الأزمة على أن أكون أقوى من الظروف التي مررنا بها. لقد عشنا الكثير من الأيام الصعبة، لكن الأزمة لم تحطمني ، بل جعلتني أقوى".
وفي وقت لاحق، طوّرت دانيا أعمالها، وأصبحت بحاجة إلى مزيد من الموظفين، وصار لديها موظفات متخصصات بخدمة الزبائن وإدارة منصّات التواصل الاجتماعي التي تُعلن من خلالها عن طعامها ووجباتها، كما تعاقدت مع سائق لتسليم الطلبات إلى منازل العملاء.
وصرحت موظفة التسويق وخدمة العملاء، نيفين أوزيار، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن الوظيفة بالنسبة لها كانت صعبة لأن عليها أن تضع إستراتيجية لإقناع مجموعة أكبر من العملاء بجودة الطعام، لا سيما أن الطعام مقدّم من مطبخ منزل عادي، وليس من مطعم.
وتقول "واجهنا تحديات في إقناع زبائننا بجودة الطعام المقدّم، لا سيما أننا نعد الطعام بشكل منزلي وليس داخل مطعم، بالإضافة إلى محاولة إيصال الطرق النظيفة التي تعدّ الوجبات من خلالها، وتوثيق كل مراحل الإعداد لحظة بلحظة ونشرها على الانترنت."
وأكدت أوزيار أن هذه الوظيفة جعلتها تؤمن بقوة المرأة السورية، ومدى مقدرتها في الاعتماد على نفسها والوقوف في وجه التحديات في أصعب الأوقات.
وأضافت "عندما وصلت إلى هنا، أدركت أن هناك نساء قويات يستطعن الوقوف على أقدامهن إما من خلال مشروع مماثل أو أفكار أخرى للمضي قدماً في حياتهن".
بدورها، قالت خبيرة الإعلام الاجتماعي في مطبخ دانيا، بيان طواف، وهي موظفة أخرى في المطبخ، "أتحرك وألتقط عدة لقطات من المطبخ وأسأل الطاهية عن المكونات، وكيف يتم إعداد الوجبة. وجميع التفاصيل الأخرى حتى يكون للمشاهدين فكرة واضحة عن طعامنا".
ولا تخفين هؤلاء السيدات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الآلاف من الناس والحصول على العملاء، الذين يقومون بشراء المواد الغذائية من منزل خاص عبر منصة افتراضية.
وأنشأت دانيا مجموعة خاصة على موقع (فيسبوك) تضم الآن أكثر من 16000 متابع، وهي المنصة التي تنشر فيها صوراً للأطباق التي تصنعها هي وغيرها من النساء في مطبخها. ويتفاعل الأشخاص مع المنشورات إما عن طريق الإعجابات أو إرسال أسئلة حول الأسعار. كما تتلقى طلبات خاصة عبر مجموعات على تطبيق (الواتس آب).
مع كل نجاحاتها، لا تنسى دانيا موصلي أن تشكر زوجها، قائلة إن دعمه قد جعلها تذهب بعيداً في مشروعها.
وتحدث زوجها، نزار عز الدين، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأنه كان دائمًا يدعم زوجته ويدفعها نحو مزيد من النجاح، وعندما أخبرته عن فكرة الطهي وبيع الوجبات، أرادها أن تأخذ فرصتها رغم أنه لم يكن متأكدًا إلى أي مدى سيذهب هذا الأمر.
ويقول "كنت سائقًا، وعندما قدمت زوجتي هذا المشروع، دعمتها دون أن يكون لدي أي فكرة عن أنه سيكون ناجحاً لدرجة أنني تركت وظيفتي وأنا أعمل مع زوجتي في هذا المشروع".
وتابع حديثه "الأزمة التي مررنا بها جعلتنا ندرك أنه يجب أن تكون هناك مساواة بين النساء والرجال وأن نكون شركاء في كسب العيش"، وحث جميع الأزواج على تشجيع ودعم زوجاتهم للعمل والمساهمة في المجتمع.