طرابلس 4 ديسمبر 2019 (شينخوا) أضحت مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الوفاق الوطني في ليبيا مع الحكومة التركية الأيام الماضية، حديث الساعة لدرجة استحواذها على الأخبار التي كانت تنقل حصرا يوميات المعارك جنوب العاصمة طرابلس، وبات حديث الشارع السياسي في الداخل والخارج، يتحدث فقط عن هذه المذكرة المثيرة للجدل.
ورأى محللون ليبيون، أن المذكرة ستثير توترات إقليمية حتى قبل المصادقة عليها أو دخولها حيز التنفيذ، ما ينذر بتصاعد الموقف الإقليمي ويفتح المواجهة بين طرابلس وأنقرة.
وأوضح خالد الترهوني، المحلل السياسي لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الأربعاء)، "مذكرة التفاهم التي أبرمت بين طرابلس وأنقرة أخيرا، قطعا لن تمر بهدوء خاصة مع موقف دول شرق المتوسط وتحديدا اليونان ومصر وقبرص، حيث تعتبر الدول الثلاث المذكرة محاولة لتوسيع تركيا نفوذها في المتوسط الذي يحتوي على ثروات اقتصادية هائلة".
وأضاف "المذكرة تحمل في طياتها الغموض، وما يؤكد ذلك عدم عرض بنودها، وكأن الطرفان يحاولان إخفاء تفاصيلها المضرة بمصالح دول المنطقة اقتصاديا".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استقبل رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الأسبوع الماضي، وشهدت الزيارة على نحو مفاجئ توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية.
وقال وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، إن توقيع مذكرة تفاهم بشأن الحدود البحرية مع حكومة الوفاق يأتي "لحماية حقوق تركيا في البحر المتوسط".
وجاء توقيت توقيع المذكرتين في ظل وجود خلافات بين تركيا من جانب ومصر واليونان وقبرص من جانب آخر حول التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
وحذرت وزارة الخارجية المصرية من أن مذكرتي التفاهم من شأنهما تعميق الخلاف بين كافة الأطراف وتعطيل العملية السياسية في ليبيا.
من جهته، يعتقد كمال المنصوري المحلل في الشئون الاقتصادية، أن مذكرة التفاهم يجب أن تتوافق بشأنها جميع دول شرق المتوسط، حتى يتجنب التوتر الذي قد يرقى إلى الصدام بين دول المنطقة.
وأكد المنصوري في تصريحه لـ((شينخوا))، "الثروات الاقتصادية خاصة في البحار وعلى النقاط الحدودية، تتسبب في خلافات عميقة بين الدول ذات العلاقة، وبالتالي التصعيد والتوتر بين الدول يتسارع، نظرا لأن كل دولة ترى أن مصلحتها متضررة جراء اتفاق ثنائي".
وعن الحلول لتنجب التوتر في المتوسط، رأى المنصوري "على ليبيا وتركيا واليونان ومصر وقبرص الجلوس جميعا، وتقرير نوع الاتفاق بشأن الانتفاع من المواقع البحرية التي تطل عليها كل دولة وحدودها وترسيمها بشكل عادل، وتكون العلاقة تضمن حقوق كل دولة اتجاه الأخرى".
ومضى قائلا "دون ذلك والانفراد في عقد مذكرات ثنائية في بيئة ساخنة، يعني اللجوء إلى خيارات الحرب من أجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية التي تظل قائمة وبقوة".
وأشار المحلل في الشئون الاقتصادية إلى أن الخلاف قد يمتد ويتطور لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، والموقف الأخير يدل أن المسألة بدأت تتسع وتأخذ أبعاد سياسية دولية واسعة.
وطالب الاتحاد الأوروبي من سلطات طرابلس، بمزيد من الإيضاحات بشأن محتوى مذكرة التفاهم الخاصة بالمناطق البحرية، مؤكدا تضامنه التام مع اليونان وقبرص في مواجهة الإجراءات التركية.
وأكد الناطق باسم الاتحاد الأوروبي في بيان اليوم، حول الوضع في شرق البحر المتوسط أن الاتحاد "يقف في تضامن تام مع اليونان وقبرص فيما يتعلق بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها تركيا في شرق البحر المتوسط".
بدورها، كشفت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق عن موقفها للاتحاد الأوروبي بشأن مذكرتي التفاهم مع تركيا.
وقالت وزارة الخارجية، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك)، إن "وزير الخارجية محمد سيالة أجرى اتصالًا هاتفيًا بسفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا آلن بوجيا، حيث وضعه في صورة الاتفاق الأخير مع تركيا".
وأضافت "وزير الخارجية أكد حرص ليبيا على التعاون مع جميع الدول من أجل المصالح المشتركة وفق ما يكفله القانون الدولي".
من جانبه، أوضح رئيس لجنة الحدود البرية والبحرية بوزارة الخارجية في حكومة الوفاق، محمد الحراري، أن توقيع مذكرة التفاهم بشأن الحدود البحرية مع تركيا لم يكن وليد اللحظة بل يعود إلى مشاورات أجريت للمرة الأولى العام 2010.
وقال الحراري للتلفزيون الرسمي في طرابلس، "تبدأ حدود ليبيا البحرية عند خطوط الأساس وفق القرار رقم 104 للعام 1995 ومنطقة صيد وفق القرار رقم 105 للعام ذاته، وقد وضعنا خطوط الأساس التي يقاس عليها مدى الحدود البحرية والبحر الإقليمي وفق القانون رقم 2 للعام 1959".
واعترف المسئول الليبي باقتصار إعلان بلاده حقها في منطقة اقتصادية دون تحديد مداها، كونه يحتاج إلى التشاور بين الدول المتشاطئة، في إشارة إلى دول اليونان وقبرص ومصر.
وبشأن الجدل المتصاعد حول مذكرتي التفاهم، علل رئيس لجنة الحدود البرية والبحرية بوزارة الخارجية في حكومة الوفاق بالقول "العلاقات المتشابكة داخل البحر المتوسط وما يضمه من ثروات في مجال النفط الغاز هي سبب هذا".
وطالب البرلمان الليبي المنعقد شرق البلاد، الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم بين طرابلس وأنقرة، واعتبارها "اتفاق باطل" ليس من صلاحيات الحكومة بل البرلمان هو من يصادق ويقر مثل هذه الاتفاقات.
كما اعتبرت القيادة العامة لقوات "الجيش الوطني" الذي يقوده المشير خليفة حفتر، بأن تركيا تهدد "المصالح الدولية" بمحاولتها السيطرة على "المنطقة الاقتصادية" في البحر المتوسط.
وتعاني ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011 من فوضى أمنية وصراع على السلطة، حيث توجد حكومتان في هذا البلد الغني بالنفط، إحداهما في العاصمة طرابلس برئاسة السراج وتحظى باعتراف دولي، والأخرى في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان و "الجيش الوطني"، الذي يقوده المشير خليفة حفتر.