محمود سعد دياب
شهدت الصين على مدار السنوات السبعين الماضية، تحولات جذرية أنهت حالة المعاناة والفقر التي ضربت طول وعرض البلاد على مدار 150 سنة، بدأت مع حرب الأفيون الأولى نهاية القرن الثامن عشر، واستمرت بالاحتلال الياباني الذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية، لكي تترك تلك السنوات الصين أمة منهكة معدمة تقريبًا، قبل أن يعلن الزعيم ماو تسي تونج تأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر عام 1949.
في التقرير التالي، ترصد "بوابة الأهرام"، كشف حساب لما قدمته الصين من نجاحات وإخفاقات على مدار سبعة عقود..
محاربة الفقر
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي متوسطه 8.1% وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الوطني للإحصاء، وكانت إحدى الانتصارات الرئيسية، هي جهود محاربة الفقر، حيث رفعت بكين 750 مليون شخص فوق خط الفقر، فقط خلال الفترة من 1987 حتى الآن، وهي فترة تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على يد الزعيم دنج شياو بينج، ما حاز تقدير الأمم المتحدة، حيث وفرت الصين الحاجات الأساسية لهؤلاء المواطنين وأعلنت أنها في طريقها لإعلان الصين أمة خالية من الفقر عام 2030، حيث انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر في البلاد من 97.5% عام 1978 إلى 3.1% بين سكان الريف في نهاية عام 2017.
وأدى التقدم الصيني في القطاعين الزراعي والصناعي إلى تغيير نمط التجارة العالمية وأصبح أملاً للدول النامية، خصوصًا مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق، حيث شاركت الصين في تطوير البنية التحتية لعدد كبير من الدول في آسيا وإفريقيا وحتى شرق أوروبا، لبناء شبكة طرق وسكك حديدية ومواني ومطارات تسهل من حركة التجارة.
معركة الصحراء
وشهدت الصين تحولا تاريخيا آخر، يتمثل في "اتساع المساحات الخضراء وانخفاض المساحات الصحراوية"، ومن زحف التصحر بمعدل سنوي 10.4 ألف كيلومتر مربع في نهاية القرن الماضي، إلى انخفاض الصحراء سنويًا بمعدل 2.424 ألف كيلومتر مربع في الوقت الحالي، محققة الهدف المقترح من الأمم المتحدة للقضاء على تدهور الأراضي قبل الموعد المحدد عام 2030، وهو ما كشف عنه تشانج جيان لونج مدير المصلحة الوطنية للغابات والمراعي في الصين لجريدة الشعب اليومية، خلال اجتماع الاحتفال باليوم العالمي الـ 25 لمكافحة التصحر والجفاف الذي عقد يوم 17 يونيو في هوهيهوت بمنغوليا الداخلية.
زيادة معدل الأعمار
يمثل زيادة متوسطات الأعمار تحديًا كبيرًا أمام الصين خلال الفترة المقبلة، حيث تسببت سياسة "الطفل الواحد" لتقليل النمو السكاني، في قفزة هائلة في متوسط عمر المواطن الصيني، فبدلا من 35 سنة عام 1949، أصبح الآن 77 سنة، وذلك بسبب انخفاض عدد المواليد، وانخفاض عدد الوفيات أيضًا بفضل الرعاية الصحية المتطورة ومستوى الخدمات الطبية المزود بالأساليب التكنولوجية الحديثة، ما يشكل خطرًا على مستقبل الصين إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، خصوصًا أن ذلك سيؤدي إلى نقص الأيدي العاملة بالإضافة لزيادة أعداد المسنين، ما يؤدي لإرهاق كاهل الدولة التي تتكفل بتوفير معاشات وتأمين طبي واجتماعي لهم.
الطفل الثاني
ورغم تطبيق سياسة "الطفل الثاني" عام 2016، والتي تسمح للأسر الصينية بإنجاب طفلين، إلا أن معظم الصينيين عازفون عن إنجاب الطفل الثاني، لعدة أسباب أهمها تغير نظرة المواطن الصيني، حيث أصبح يرغب في استثمار أمواله في طفل واحد يمنحه تعليما متميزا بما يتضمن الإنفاق على تعليمه خارج الصين، ورعاية طبية عالية لكي يكون فردا ناجحا في المجتمع، فضلا عن ارتفاع تكلفة التعليم والرعاية الصحية، وانشغال الأب والأم بالعمل، وعدم وجود جد أو جدة يستطيعان رعاية طفلين دفعة واحدة في ظل غياب الأبوين.
وخلال السنوات السبعين الماضية، ارتفع إجمالي عدد سكان الصين من 540 مليون شخص في عام 1949 إلى ما يقرب من 1.4 مليار شخص في عام 2018، مسجلا معدل نمو سنوي بحوالي 1.4%، وتقول البيانات الرسمية، أن مستوى الخصوبة قد انخفض بشكل حاد في السبعينات حتى وصل إلى أقل من 3.0، عام 1977، ثم 1.8 نهاية القرن العشرين، ما أدى بالبعض إلى إطلاق لقب "الأمة العجوز" على الشعب الصيني، وذلك مع انخفاض عدد المواليد وكذلك انخفاض عدد الوفيات.
قفزة في التعليم
حققت الصين قفزات كبيرة في تطوير التعليم الأساسي والعالي على مدار الـ70 عاما الماضية، حيث أدرك ماو ورفاقه مبكرًا أن تطور أي دولة مبني على ثقافة مواطنيها ومستوى تعليمهم، بهدف إحداث طفرة تنموية شاملة تتوافق مع شعب واع قادر على مواكبة هذا التطور ودفعه إلى الأمام، حيث أعطت البلاد أولوية إستراتيجية للتعليم وضمت التعليم الإجباري إلى التشريع.
كما ترعى الحكومة منح دراسية مجانية لطلابها المتفوقين، في الجامعات العالمية في الولايات المتحدة وبريطانيا وإستراليا وروسيا وغيرها، ومن المقرر أن يدخل التعليم العالي في الصين مرحلة جديدة ستشهد قدرة أكثر من نصف من هم فى سن الالتحاق بالتعليم الجامعي، على الحصول على تعليم عالي متميز يتمتع بدعم حكومي شامل.
ولعل وجود أكثر من جامعة صينية، ضمن قائمة أفضل 50 جامعة في العالم، أحد أهم إنجازات الصين المرتبطة بتطوير التعليم ارتباطًا بالعلوم والتكنولوجيا وأهداف التنمية، خصوصًا أن الصين الرائدة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة وتحديدًا الجيل الخامس، ربطت بين تلك الجهود وتطوير التعليم، ما جعل التعليم يحثث طفرة غير مسبوقة، دفع الأجيال الجديدة من الطلاب إلى عدم الخروج للدراسة بالخارج، والاكتفاء بالدراسة في إحدى الجامعات الصينية.
صناعة الخدمات كلمة السر
وقد سجل حجم صناعة الخدمات في الصين، نموا مستمرا فى السنوات السبعين الماضية، منذ تأسيس الصين الشعبية، حتى تحولت إلى أكبر صناعة في الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي، فحسب البيانات، ارتفعت القيمة المضافة لصناعة الخدمات من 19.5 مليار يوان في عام 1952 إلى 46.9575 تريليون يوان في عام 2018، بمعدل نمو سنوي 8.4%.
وسجلت نسبة مساهمة صناعة الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا متسارعا، حيث بلغت النسبة 59.7% في عام 2018، كما مثلت صناعة الخدمات 68.1% من الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين في عام 2018، مما يجعلها المجال الأكثر تفضيلا بالنسبة للاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى ذلك، وصل عدد العاملين في صناعة الخدمات في الصين إلى 359.38 مليون شخص في نهاية عام 2018، ما يجعلها الصناعة الأكثر توظيفا في البلاد.
الفضاء والتكنولوجيا
أحرزت الصين عدة أهداف في مجال التكنولوجيا وهندسة الفضاء، حيث أسست محطة فضاء متطورة لكي تنافس المحطات العالمية ذات السمعة الكبيرة مثل "ناسا" الأمريكية، وأطلقت مشروع مشروع إكتشاف القمر، حيث تم إطلاق القمر الصناعي "تشانج آه" لهذا الغرض، على متن أحدث الصواريخ الحاملة الثقيلة لونج مارش-5، كما حصل جهاز صن واي تايهو لايت الصيني على لقب أسرع حاسوب خارق في العالم مجددا.
كما كشفت الصين عن أول طائرة ركاب كبيرة صينية الصنع من طراز "C919" في بلدية شانغهاي، وتم تشغيل تلسكوب "فاست" اللا سلكي الكروي، ويبلغ القطر الدائري لهذا التلسكوب 500 مترا، ما يعتبر أكبر تلسكوب لا سلكي في العالم، وأرسلت "غواصة التنين الصيني" إلى المياه العميقة ببحر الصين، لكي تحقق أول رقم قياسي عالمي فى تاريخ الغوص تحت سطح البحر، حيث استطاعت الوصول إلى عمق تجاوز 7000 متر.
على مستوى النقل أطلقت الصين "قطار الرصاصة فوشينج"، ويعتبر أسرع قطار ركاب في العالم بعد زيادة سرعته إلى 350 كلم في الساعة، ويمكن له أن يسير بسرعة وبشكل مستقر ومريح للركاب، حتى أنه أمكن وضع قطع نقدية بشكل أفقي في القطار لم تسقط، كما شيدت جسر "هونج كونج ـ تشوهاي ـ ماكاو"، والذي يجمع بين الجزر الثلاثة وباقي الأراضي الصينية لكي يعتبر أطول جسر عبر البحر في العالم، فضلا عن إنجاز مشروع ميناء يانجشان العميق في شانغهاي، وهو مشروع تجاري يهدف إلى التعامل مع أكبر سفن الحاويات في العالم بحلول عام 2024، ومشروع نقل المياه من الجنوب إلى الشمال في الصين الذي يعتبر أكبر وأحدث مشروع في الحفاظ على الماء في العالم.