بكين 29 ديسمبر 2018 /بعد 10 أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا بشكل كامل، أطلقت الأطراف المعنية بالوضع في سوريا تحركات دبلوماسية وعسكرية وسياسية متسارعة من أجل سد الفراغ الذي سيتركه الجيش الأمريكي ومازالت المنطقة تواجه مستقبلا غير واضح.
فقد أعلن الجيش السوري أمس الجمعة دخوله مدينة منبج في ريف حلب ورفع العلم الوطني على أرضها وذلك بعد وقت قصير من قيام وحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، بتوجيه دعوة إلى دمشق للانتشار في المنطقة لحمايتها من التهديدات التركية.
وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن بـ"انتشار أكثر من 300 عنصر من قوات النظام والقوات الموالية لها على خطوط التماس بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية مع الفصائل السورية الموالية لها". وقال إنهم فرضوا "ما يشبه طوقا عازلا بين الطرفين على تخوم منطقة منبج من جهتي الغرب والشمال"، وفقا لما ذكرته وكالة ((فرانس برس)).
ولكن الجيش الأمريكي أكد من جانبه يوم الجمعة أن قوات النظام السوري لم تنتشر في منبج، حيث قال اللفتنانت كولونيل ايرل براون المتحدث باسم القيادة الوسطى الأمريكية "رغم المعلومات غير الصحيحة عن التغيرات التي طرأت على القوات العسكرية في مدينة منبج (التحالف)، ليس هناك أي مؤشر إلى صحة ذلك".
ووسط تضارب المعلومات الواردة من أطراف مختلفة، أفاد مراسل فرانس برس، بعد الإعلان الذي صدر عن الجيش السوري يوم الجمعة، أفاد بمشاهدته فصائل موالية لأنقرة ترسل المزيد من القوافل العسكرية إلى محيط منبج، فضلا عن انتشار مدرعات تركية في المنطقة.
ومع دورها الملحوظ في شمال سوريا، صعدت تركيا، التي تصنف الوحدات الكردية بـ"الإرهابية"، مؤخرا تهديداتها بشن هجوم جديد ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بدءا من مدينة منبج وصولا إلى مناطق أخرى في شمال شرق البلاد.
وفي الأيام القليلة الماضية، أرسلت أنقرة تعزيزات عسكرية تضمنت قوات خاصة وآليات عسكرية إلى المنطقة الحدودية مع سوريا، ووصلت قواتها أيضا إلى مواقع قريبة من خطوط التماس قرب مدينة منبج. وقامت الفصائل الموالية لها بتعزيز تواجدها.
وتكشفت هذه التطورات في المشهد السوري عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي قرارا مفاجئا بسحب جميع قواته من سوريا عقب مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبعد قرار ترامب، قال أردوغان يوم 21 ديسمبر الجاري إن تركيا ستؤجل عملياتها عبر الحدود في مناطق تسيطر عليها المليشيات الكردية في سوريا.
وبدورها رحبت موسكو على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "بعودة المناطق الكردية السورية" إلى سيطرة الحكومة السورية معتبرة إياه "توجها إيجابيا". وقال إنه سيتم بحث المسألة السبت خلال زيارة يجريها وزيرا الخارجية والدفاع التركيان إلى موسكو ستسمح بـ"تنسيق التحرك" بين روسيا، حليفة دمشق الرئيسية، وتركيا.
وذكر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر سيليك يوم الأربعاء أن وفدا تركيا رفيع المستوي سيزور روسيا يوم السبت لبحث القضايا السورية.
يأتي بين المسؤولين الذين يضمهم الوفد وزير الخارجية التركي مولود قاويش أوغلو، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين، ووزير الدفاع خلوصي عكار، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، وفقا لما ذكر سيليك في مؤتمر صحفي.
ووفقا لسيليك، سيتم وضع خطة لعقد اجتماع بين الرئيسين التركي والروسي عقب محادثات السبت.
من ناحية أخرى، ستقوم لجنة تركية أيضا بزيارة إلى واشنطن قريبا، حسبما ذكر المتحدث، مضيفا أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون سيأتي إلى تركيا في أوائل يناير.
وقال سيليك إن تركيا ستواصل تنسيقها الوثيق مع إيران وروسيا في الأيام القادمة بعد إعلان الولايات الأمريكية سحب قواتها من سوريا.
ومن ناحية أخرى، تتحرك الدول العربية بعد قرار ترامب أيضا لصالح سوريا. ويشكل إعادة افتتاح دولة الإمارات لسفارتها في دمشق مؤشر إيجابيا على الجهود المبذولة لإعادة سوريا تدريجيا إلى الساحة الدبلوماسية، بعد سنوات من قيام جامعة الدول العربية بتعليق عضوية دمشق فيها والذي حدث في نوفمبر عام 2011.
جدير بالذكر أن الأزمة السورية أدت منذ اندلاعها عام 2011 إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين وتفاقم الاحتياجات الإنسانية داخل البلاد وتعرض بناها التحتية لدمار شديد.