إن الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك ستعمل على تعقيد المحادثات الجارية حاليا لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) وستزيد من خطر نشوب حرب تجارية تقوم على العين بالعين والسن بالسن بين الولايات المتحدة وكبار شركائها التجاريين، هكذا قال خبراء في مجال التجارة.
فقد أعلن وزير التجارة ويلبر روس يوم الخميس أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر عدم تمديد الإعفاءات الجمركية المؤقتة على الصلب والألمنيوم بالنسبة لهؤلاء الشركاء التجاريين الثلاثة الرئيسيين حيث فشلت المفاوضات التي جرت على مدى الشهرين الماضيين في التوصل إلى اتفاق.
وقال روس للصحفيين في مؤتمر صحفي عبر الهاتف إنه سيتم فرض رسوم جمركية نسبتها 25 في المائة على واردات الصلب و10 في المائة على واردات الألمنيوم القادمة من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك اعتبارا من يوم الجمعة.
وأضاف "نتطلع إلى استمرار المفاوضات مع كندا والمكسيك من جهة ومع المفوضية الأوروبية من ناحية أخرى حيث توجد قضايا أخرى نحتاج إلى حلها".
وتستخدم إدارة ترامب ما يسمي بالمادة رقم 232 من قانون التوسع التجاري الذي يعود إلى عام 1962 لفرض رسوم جمركية بشكل أحادي على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة على أساس الأمن القومي، وهو ما قوبل بمعارضة قوية من مجتمع الأعمال المحلي والشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
وأشار جان- كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية يوم الخميس في بيان إلى أن "الاتحاد الأوروبي يرى أن هذه الرسوم الجمركية الأمريكية أحادية الجانب غير مبررة ومخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية. فهذا عمل حمائي، واضح تماما".
ومن جانبها، قالت مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم إن الاتحاد الأوروبي سيرفع الآن قضية بشأن تسوية نزاع أمام منظمة التجارة العالمية لأن هذه الإجراءات الأمريكية "تتعارض بوضوح" مع القواعد الدولية المتفق عليها.
وصرح إدوارد ألدن، وهو زميل بارز بمجلس العلاقات الخارجية، قائلا لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "إجراءات الرسوم الجمركية ستلحق ضررا كبيرا بالتعاون التجاري بين الولايات المتحدة وحلفائها"، لافتا إلى أن "الاتحاد الأوروبي سينتقم، وأعتقد أنه سيرفض التفاوض مالم تقم الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية. كما ستنتقم المكسيك، وعلى الأرجح ستفعل كندا ذلك أيضا".
وعبر ألدن عن اعتقاده بأن مفاوضات نافتا ستستمر على الأرجح، ولكن الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألمنيوم "ستلحق الضرر بآفاق التوصل إلى اتفاق".
كانت المحادثات بشأن إعادة التفاوض بشأن نافتا قد بدأت في أغسطس 2017 حيث هدد ترامب بالانسحاب من هذا الاتفاق التجاري القائم منذ 23 عاما. ومازالت الدول الثلاث منقسمة بشأن قواعد المنشأ المتعلقة بالسيارات وغيرها من القضايا بعد مفاوضات دامت لأشهر.
كما اتفق سيمون ليستر المحلل المتخصص في السياسات التجارية بمعهد كاتو في أن الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم ستجعل محادثات نافتا "أكثر تعقيدا" وتقوض العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبما أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا حتى تقوم عملية منظمة التجارة العالمية بحل النزاعات التجارية، فقد أعرب ليستر عن اعتقاده بأن هؤلاء الشركاء التجاريين سوقف ينتقموا من الصادرات الأمريكية "على الفور".
فسوف تفرض كندا رسوما جمركية انتقامية على ما تبلغ قيمته 16.6 مليار دولار كندي (12.8 مليار دولار أمريكي) من المنتجات الأمريكية ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألمنيوم، حسبما ذكرت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند يوم الخميس.
وقالت الوزيرة إن الإجراءات المضادة" الكندية بشأن الرسوم الجمركية، والتي تأتي عملا بمبدأ دولار مقابل دولار وستستهدف كل شيء بدءا من منتجات الصلب وصولا إلى شراب القيقب وبراميل البيرة، سيبدأ سريانها اعتبارا من أول يوليو وستظل قائمة حتى تتراجع الولايات المتحدة عن موقفها.
كما ذكر الاتحاد الأوروبي أنه سينتقم بإجراءاته الخاصة، ويدرس حاليا حجم ومدى الرد الذي سيتخذه. ويقال على نطاق واسع أن الاتحاد الأوروبي سيفرض رسومه الخاصة على منتجات أمريكية مثل الويسكي والدرجات النارية وزبدة الفول السوداني والجينز.
وقال ألدن "أعتقد أننا الآن في خضم حرب تجارية، وهو ما أعرفه بأن صراع متصاعد خارج قواعد منظمة التجارة العالمية أو الاتفاقات التجارية الأخرى"، محذرا من أن الرسوم الجمركية الأمريكية المحتملة على السيارات المستوردة ستكون بكل وضوح بمثابة "تصعيد كبير وضار".
فقد استهلت إدارة ترامب في الأسبوع الماضي تحقيقا في واردات السيارات على أساس الأمن القومي، وهو ما قد يؤدى إلى فرض رسوم جمركية نسبتها 25 في المائة على السيارات المستوردة ويعرقل سلاسل التوريد العالمية.
كما انتقد مشرعون جمهوريون أمريكيون يوم الخميس قرار الإدارة فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم القادمة من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.
وقال رئيس لجنة الطرق والوسائل بمجلس النواب كيفن برادي إن "هذا الإجراء يضع العمال الأمريكيين والأسر الأمريكية في خطر، حيث تعتمد وظائفهم على المنتجات المتداولة بشكل عادل من هؤلاء الشركاء التجاريين المهمين"، مضيفا أنه يتعين على الإدارة شرح منطقها للكونغرس.
أما السيناتور الجمهوري بن ساس من ولاية نبراسكا فوصف الرسوم الجمركية بأنها "غبية" وحذر من أن الرسوم الجمركية التي فرضت في عشرينات القرن الماضي أدت إلى الكساد الكبير.
وذكر في بيان أن "الحمائية الشاملة كانت جزءا كبيرا من السبب وراء الكساد الكبير الذي تعرضت له أمريكا. "فجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" لا ينبغي أن يعني "جعلها تعود إلى أمريكا عام 1929مرة أخرى".
وردا على القرار الأمريكي المتعلق بفرض رسوم جمركية على الفلزات، حث صندوق النقد الدولي الدول على "العمل بشكل بناء" على حل الخلافات التجارية.
وذكر المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس يوم الخميس في بيان "من المؤسف أن التوترات التجارية تتصاعد في لحظة تدعم فيه التجارة الانتعاش العالمي"، مشيرا إلى أن "الجميع يخرج خاسرا في أي حرب تجارية طويلة، وندعو الدول على العمل بشكل بناء معا للحد من الحواجز التجارية وحل الخلافات التجارية دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية".