الرياض 9 مايو 2017 / على خريطة "الحزام والطريق" ، تتمتع المملكة العربية السعودية، مملكة النفط، بثقل كبير في المنطقة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تعد أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وتمتلك موارد مالية وفيرة وسوقا ضخمة.
والأهم من ذلك، أن المملكة العربية السعودية والصين يمكن ان تستفيدا من بعضهما البعض وتحققان نتائج الكسب المشترك، فالصين تحتاج الى نفط المملكة، في حين أن السعودية تحتاج لخبرات وتقنيات الصين في الصناعة التحويلية.
وفي الوقت الحاضر، توجد أكثر من مائة شركة صينية كبيرة في السعودية، تبذل جهودا في بناء مشاريع متنوعة في مجالات الطرق والموانئ البحرية والجسور والمساكن والسكك الحديدية ومحطات توليد الطاقة والاتصالات والنفط وغيرها من المشاريع الوطنية السعودية.
وتسعى هذه الشركات الصينية لبناء صورة وسمعة جيدة بينما تضع أساسا متينا للبلدين لتوسيع تعاونهما على طول "الحزام والطريق".
تحقيق السلامة في موسم الأمطار
في جدة، أكبر المدن بغرب المملكة، تمتد إحدى قنوات تصريف مياه السيول لمسافة 37 كم عابرة المدينة على ثلاث مراحل حيث تتجمع مياه الأمطار والسيول المنحدرة من المناطق المرتفعة حول المدينة وسط مشهد بهيج تحط فيه أسراب الطيور على ضفتيها لشرب الماء واللهو.
وعلى بعد أمتار، يوجد طريق سريع مزدحم ، ويقود سكان جدة سياراتهم بمحاذاة القناة الواسعة يوميا.
في هذا الصدد، قال ما فنغ تشي مدير مشروع مدينة جدة لتصريف مياه السيول الذي تديره شركة مجموعة بناء المواصلات الصينية لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهو يشير إلى إتجاه القناة إن "مياه الأمطار المنحدرة من جبال منطقة مكة القريبة والمناطق المرتفعة بمدينة جدة تمر من قناة تصريف مياه السيول هذه وتصب في البحر الأحمر".
وتابع بقوله "ربما تعد هذه قناة عادية جدا في مناطق أخرى، لكنها بالنسبة للمملكة العربية السعودية تحمل أهمية خاصة للغاية ودروسا مؤلمة".
ففي نوفمبر 2009، تعرضت جدة، ثاني أكبر مدن السعودية، لموجة من العواصف المطرية غير المسبوقة التي أودت بحياة أكثر من 120 شخصا، كما تكررت تلك العواصف في يناير 2011، حيث لقي 10 أشخاص على الأقل مصرعهم جراء ذلك.
وكان السبب الرئيسي لوقوع تلك المأساة هو أن مدينة جدة لم تكن مزودة بنظام كامل لتصريف مياه الأمطار والسيول، فبمجرد هطول الأمطار الغزيرة, تنحدر السيول من المناطق الجبلية المجاورة وتنجرف عبر ممرات الأنهار الطبيعية نحو جدة.
وقد أولى عاهل المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود - اهتماما بالغا بتبعات الكارثة، وأصدر أوامره لمسؤولي جدة بالتحرك السريع لبناء نظام فعال للتحكم في مياه السيول قادر على الصمود في وجه السيول الشديدة بغية عدم تكرار وقوع كوارث مماثلة.
وفي يوليو عام 2013 حازت شركة مجموعة بناء المواصلات الصينية على مناقصة بناء المشروع بتكلفة 500 مليون دولار أمريكي، ونظرا لأن المشروع له علاقة بسلامة أرواح وأملاك المواطنين، كانت متطلبات جودته عالية للغاية.
وتحت ضغط هائل، تمسكت الشركة بمبدأ إفادة المجتمع المحلي وتعزيز صورة جيدة للصين، وتمكنت من إنهاء المشروع بنجاح في 9 أشهر فقط بحسب خطة العمل المعلنة وبالمتانة والجودة المطلوبة بعد التغلب على مشكلة نقص العمالة والبيئة المناخية القاسية.
وفي أكتوبر عام 2014، تم الانتهاء من مشروع جدة لتصريف مياه السيول في الوقت المحدد، واختبرت جودته في نوفمبر من نفس العام حيث تعرضت المدينة لعاصفتين مطريتين خلال موسم الأمطار، الأمر الذي ساعد جدة على تجاوز الأمطار بدون وقوع أحداث مأساوية.
وخلال هطول الأمطار الغزيرة اجتاز المشروع الذي بنته الشركة الصينية الاختبار أيضا.
ومع هذا النجاح, بعثت بلدية مدينة جدة برسالة شكر للشركة الصينية على نجاحها في الوفاء بتعهداتها واستكمال المشروع في الوقت المحدد وبالجودة المطلوبة وإنجاز هذا العمل الكبير من أجل سكان المدينة.
خط سكك حديد خفيف يسهل على الحجاج
وعلى بعد 80 كلم من شرق جدة، توجد مدينة مكة المكرمة التي تعد أكثر مدن قدسية بالنسبة للمسلمين.
وبالإضافة إلى المساجد العملاقة التي يفد إليها المسلمون من كل صوب وحدب في العالم للصلاة فيها يوميا، يوجد معلم شهير آخر ألا وهو" التنين الأخضر" الذي يسير بين ثنايا الجبال الشاهقة والتلال العالية .. خط المترو الذي ينقل الحجيج.
ومن أجل راحة نحو ثلاثة ملايين من الحجاج القادمين مما يربو على مائة بلد مختلف والتخفيف من الازدحام والحد من حوادث التدافع أثناء تأدية مناسك الحج في المدينة المقدسة، أصدرت السعودية قرارا بإنشاء خط مترو يربط بين خمس مناطق مختلفة.
وفي العاشر من يناير عام 2009، وقعت الشركة الصينية لإنشاءات السكك الحديدية اتفاقية مع وزارة الشؤون البلدية والقروية بالمملكة العربية السعودية لبناء مشروع السكك الحديدية الخفيفة بمكة المكرمة وأكملت الشركة المشروع وبدأ تشغيله في عام 2010.
ورغم أن إجمالي طوله يصل إلى 18.25 كلم فقط، إلا أنه أكثر الخطوط قدرة على نقل أكبر عدد ممكن من الركاب في فترة زمنية محددة وأكثر الخطوط تعقيدا في إدارتها في العالم، وقد حاز على اهتمام حكومتي البلدين على أعلى المستويات، خاصة بعدما أعلنت السعودية للعالم أجمع أنه في عام 2010، ومنذ 1300 عام من تاريخ الحج، سيتم للمرة الأولى استخدام قطارات السكك الحديدية الخفيفة في نقل الحجاج، الأمر الذي أحدث لهفة في قلوب جميع المسلمين في العالم لرؤية ذلك المشروع الكبير.
مع ذلك، عندما بدأت الشركة الصينية العملاقة بناء خط المترو، وجدت هذه المهمة صعبة بشكل غير متوقع: كان من الصعب الحصول على الأرض وإجراء عمليات الهدم وإعادة التوطين، كما كانت هناك زيادة كبيرة في حجم العمل في ضوء تعديل مالكي العقارات للعقود، وعدم وجود عمال صينيين بسبب مشاكل متعلقة بتصاريح العمل، فضلا عن التأخير في تسليم المواد من الموردين، وكلها كانت تحديات إضافية.
غير أن الشركة الصينية تغلبت على هذه الصعوبات، وعاش قادة الشركة في منازل متنقلة جنبا إلى جنب مع العمال، وعملوا لساعات إضافية، واستجابوا باحترافية للأصوات الناقدة سواء من داخل المملكة العربية السعودية أو الغرب.. وقد تم الانتهاء من المشروع في الوقت المناسب قبل أسبوع الحج في عام 2010.
ومع رؤية المسلمين القادمين من أرجاء العالم وهم يستقلون القطارات الصينية الجديدة مجيئا وذهابا في راحة بين المحطات الخمس في مكة، انهالت الإشادات من الإعلام والشعب السعودي بالشركة الصينية، لدرجة أن السكان المحليين كانوا يرفعون أصابع الإبهام إلى أعلى للسائقين الصينيين لدى رؤيتهم للعربات التي تحمل شعار الشركة الصينية تسير على طرق مكة.
وبحلول عام 2014، كانت الشركة الصينية قد أكملت بنجاح مهمة تسيير القطارات لخمس سنوات متتالية، وخلال تلك الفترة لم تقع أي حادثة متعلقة بالسلامة، ووفرت الشركة الصينية في الوقت ذاته الكثير من فرص العمل للسكان المحليين، وقامت بتدريب الأفراد على إدارة تسيير الرحلات.
دعم ثمين في مجال التكنولوجيا
ومع العثور على مساحات واسعة من حقول النفط في الصحراء الشاسعة غير الخصبة، تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق ثروة كبيرة.
ومن أجل تحقيق التنمية على الأجل الطويل في البلاد، استثمرت المملكة التي تعتمد بشكل كبير على النفط مبالغ كبيرة في مجال التعليم والعلوم والتكنولوجيا، على أمل أن تصبح في مصاف الدول المتقدمة في العالم.
ومنذ دخولها السوق السعودية في عام 1999، تعاونت شركة هواوي الصينية للتكنولوجيا المحدودة مع ثلاث شركات اتصالات رائدة في السعودية لتقديم أفضل الخدمات وأحدثها في العالم للمؤسسات والأفراد في المملكة، الأمر الذي وضع المملكة بين مصاف البلدان العالية نسبيا من حيث مستوى تطوير المعلومات في العالم.
وبمشاركة هواوي، ارتفع عدد مستخدمي شبكات الهواتف المحمولة في المملكة من 36 مليونا في عام 2008، إلى 51 مليونا في عام 2014, لتتقدم المملكة في مؤشر دول العالم المستخدمة لتقنية المعلومات من المرتبة 27 إلى المرتبة 24.
وقد نفذت شركة هواوي 90 بالمئة من مشروعات الحكومة السعودية الرامية إلى إدخال المناطق النائية ضمن التغطية اللاسلكية، وساهمت في سد احتياج 3.5 مليون شخص من خدمات الاتصال الرئيسية.
كما قامت الشركة بتوفير أحدث تقنياتها ومنتجاتها للمملكة: شبكات TDD وLTE الأولى في العالم، والشبكات الأساسية 400 GIP الأولى في العالم، ونظام إدارة تجربة العملاء الأول في العالم.
وعلى مدار عشر سنوات متواصلة, قدمت شركة هواوي خدمات الاتصالات اللاسلكية للحجاج، أي توفير خدمات الاتصال لثلاثة ملايين حاج على كافة مناطق الحج البالغ مساحتها 180 كم مربع.
وفي الوقت الحالي، يعمل لدى هواوي أكثر من ألف موظف في السعودية وأنشأت مكاتب في العاصمة الرياض ومدينتي الدمام وجدة، وأصبحت السعودية واحدة من أهم الأسواق الخارجية لهواوي.