تعليق: من هو المسؤول عن تحريك أحجار لعبة الشطرنج مرة اخرى في ايران ؟

قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا إلغاء الجزء المتعلق في القرار الذي اتخذته موسكو سابقا القاضي بتعليق تسليم منظومة صواريخ الدفاع الجوي S- 300 إلى إيران. ويأتي هذا القرار في خطوة استباقية للجانب الروسي بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن المفاوضات النووية، وسوف يؤثر هذا القرار على اللعبة الأمريكية والروسية، والاتفاق النهائي في محادثات النووية الايرانية وعلى الوضع في الشرق الاوسط.

يعتبر رفع روسيا الحظر على بيع الاسلحة الى ايران خطوة استباقية اخرى للعبة استراتيجية ضد امريكا. فمن المنظور الروسي، فإن الجهود التي بذلتها روسيا كانت من اجل تعزيز الحل السلمي للقضية النووية الايرانية، حتى ان تعليق عقود بقيمة 8 مليار دولار، ولجوء إيران إلى محكمة التحكيم الدولية لمقاضاة الشركة الروسية ذات الصلة و لمطالبة موسكو بتعويضات تبلغ 4 مليارات دولار كانت على حساب المصالح الروسية. لكن اليوم، يعتبر الغاء روسيا تعليق تسليم منظومة صواريخ الدفاع الجوي الى ايران منطقيا في ظل احراز المفاوضات النووية الايرانية تقدما حقيقيا ،كما ان عددها اقل بكثير مقارنة بالأسلحة التي تبيعها امريكا الى الشرق الاوسط، وانها لن تشكل خطرا على اسرائيل، وتتفق مع المصالح التجارية الروسية. اما من المنظور الواسع، فإن امريكا قررت مؤخرا تقديم مساعدات عسكرية الى اوكرانيا، وإرسال عسكريين لتدريب الجنود في اوكرانيا، وتجري قوات الناتو مناورات متكررة على الحدود الروسية، وهذه اعمال عدوانية واستفزازية تجاه روسيا. وإن قرار روسيا هذه المرة بإلغاء تعليق تسليم منظومة الصواريخ الى ايران يهدف الى تعزيز العلاقات الودية بين البلدين، كما انه نوع من الرد على العقوبات والاستفزازات الامريكية.

 تسليم منظومة الصواريخ الروسية إلى إيران سوف يؤثر على الاتفاق النهائي للمحادثات النووية الايرانية بشكل دقيق. وفي الوقت الحاضر، اصبحت موافقة امريكا على رفع جميع العقوبات المفروضة على ايران، وإمكانية تقبل ايران لأي عقوبات جديدة، المفتاح الرئيسي للاتفاق النهائي في المحادثات النووية الايرانية. في الواقع ، إن إعلان روسيا عن رفع تعليق تسليم منظومة صواريخ الدفاع الجوي الى ايران الآن يعتبر خطوة اولى لموقف ونية روسيا في رفع العقوبات على ايران، كما يعتبر دعم قوي لإيران.

لقد أثار القرار الروسي قلقا كبيرا بين جميع الأطراف المعنية. ومن المرجح خلال شهرين ونصف القادمة سوف يرتفع صوت ونفوذ روسيا في المفاوضات بشأن القضية النووية الايرانية، وحتى في عملية السلام في الشرق الأوسط. وقد سارع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بإجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، ليعرب عن قلقل امريكا اتجاه هذه الخطوة. كما ادانت اسرائيل بشدة الخطوة الروسية. وإذا تجاهلت روسيا الموقف الامريكي والإسرائيلي وسلمت الانظمة الصاروخية الى ايران قبل 30 يونيو، فإن ذلك قد يؤدي الى تكثيف الصراع وسلسلة من المخاطر الاخرى، لكن روسيا في يدها ورقة مساومة مهمة، وهذه حقيقة لا جدال فيها. وتضطر امريكا وإسرائيل وإيران وغيرها من الاطراف المعنية الاخرى الى الاهتمام بالموقف الروسي، وسعي الى التنسيق والتعاون معها.

بالرغم من تدهور العلاقات بين امريكا وروسيا اول وثان قوة عسكرية في العالم واخذ زخم الحرب الشرسة نحو التزايد منذ اندلاع الازمة الاوكرانية، إلا أن الجانبين ليس لديهما أي نية في قطع العلاقات حاليا، حيث ان التعاون في العديد من المجالات مثل الحد من الاسلحة الهجومية الاستراتيجية، وتشغيل المحطة الفضائية المشتركة، يجري سلسا. والتبادلات بين المسؤولين تجري بشكل طبيعي، لذلك، فإن الصراع دون قطع العلاقات هو الخط الأدنى المشترك بين الجانبية. و بالرغم من أن قرار روسيا تسليم انظمة الصواريخ الى ايران مجرد لعبة تكتيكية لمباريات الشطرنج الاستراتيجية بين امريكا وروسيا ، إلا أن وقت تنفيذه له تأثير كبير على العلاقات الامريكية الروسية ، واتجاه الاتفاق النهائي للمفاوضات النووية الايرانية، لا ينبغي تجاهلها.