محمد الأمين النحاس
وصل العاصمة السودنية الخرطوم يوم الأحد 10 يناير السيد وانغ يي وزير الخارجية الصيني، في زيارة رسمية للسودان استغرقت يومين أجرى خلالهما مباحثات هامة تتصل بعدد من القضايا ذات الصلة بتعزيز ودفع العلاقات الثنائية بين السودان والصين في المجالات كافة، وكذلك دعم الجهود الإقليمية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار بدولة جنوب السودان الوليدة.
ومن الواضح أن هذه القضيايا كانت تمثل الأجندة الرئيسية في جدول زيارة وزير الخارجية الصيني، ولذلك يمكن قياس نتائج هذه الزيارة من خلال ما تم التوصل إليه من تفاهمات على صعيد هذه القضايا.
على صعيد قضية تحقيق الأمن والاستقرار بدولة جنوب السودان شارك السيد وانغ يي في اجتماعات اللجنة السداسية التي تتوسط لإحتواء النزاع القائم بين قوات الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأسبق رياك مشار بشأن نزاعهما على السلطة. وتضم اللجنة السداسية كل من السودان، والصين، وأثيوبيا، ودولة جنوب السودان، والفرقاء في جنوب السودان، ومنظمة الإيغاد(الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا).
وقد بحث اجتماع اللجنة السداسية الذي شارك وزير الخارجية الصيني، سبل التوصل لتسوية سياسية شاملة بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار، وتقييم الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في دولة جنوب السودان ودفعها بالدعم السياسي المسؤول.
من المهم الإشارة إلى أن المشاركة الصينية في اجتماعات اللجنة السداسية بالخرطوم أعطت زخماً لمخرجات هذه الاجتماعات وذلك لعدد من الأسباب. وفي مقدمتها القبول العام الذي تحظى به الصين من قبل الفريقين المتنازعين ويعود ذلك وفي المقام الأول لموقفها من النزاع في مراحله الأولى وخلال تطوراته، حيث أن الصين لم تتسرع في الانحياز لصالح أيٍ من الطرفين ولم تسلك أي مسلك كان يمكن أن يحسب عليها أو حتى تتحول لطرف ثالث فيها كما تفعل الدول الكبرى خلال إندلاع النزاعات الداخلية المسلحة. وحسبنا الإشارة إلى أن للصين استثمارات ضخمة في بترول دولة الجنوب وعدد من المشاريع التنموية الأخرى. لكن الصين وكعادتها ورغم الخسائر التي تتعرض لها مصالحها في دولة الجنوب لم تتنكر لمبادئها التي تحكم علاقاتها الدولية، وظلت وفية لتلك المبادئ حتى صارت محل قبول ليس فقط بالنسبة لطرفي النزاع فحسب بل للأطراف الإقليمية الفاعلة وبقية الدول الأفريقية الأخرى.
إن الموقف الصيني المتوازن في هذا النزاع وفي حالات أخرى، يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الحملات الاعلامية الغربية خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على الصين، ليست سوى محاولات لتأليب الرأي العام ضد الوجود الصيني في أفريقيا عبر تكريس صورة ذهنية زائفة وغير حقيقية تصور الصين وكأنها مستعمراً جديداً لدول القارة.
إن المتابع لقضايا السياسة الدولية يدرك تمام الإدراك أن الحملات الإعلامية الغربية ضد الصين ما هي إلا وسائل يلجأ لها العاجز حين يريد أن يعيق أو يحد من نجاحات منافسيه، لقد بدأت الصين منذ العام 2010 تحقق غفزات مهمة على صعيد النمو الاقتصادي، فقد أصبحت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، وظلت تحقق نسبة نمو سنوي ثابتة حتى في ظل الأزمة المالية العالمية التي أطاحت باقتصادات العديد من الدول. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن اقتصاد الصين سيتخطى الاقتصاد الأميركي من حيث حجم القوة الشرائية خلال العام 2016. ولذلك تواجه الصين حملات إعلامية متعمدة لتشويه صورتها، لتحجيمها وإقصائها للحد من نجاحها.
وخلال اجتماعات اللجنة السداسية تكللت الجهود باتفاق الطرفان المتحاربان في جنوب السودان على تسريع وتيرة المفاوضات الثنائية بخصوص تشكيل حكومة انتقالية، كما اتفق الطرفان المتحاربان في جنوب السودان وبموافقة الأطراف الموجودة على العمل الفوري على وقف العدائيات وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وكذلك اتفق الطرفان على الحكومة الانتقالية والقيام بالإجراءات التي تخفف حدة الأوضاع الإنسانية.
وجرت المباحثات في الخرطوم برعاية صينية، وقال وزير الخارحية السوداني علي كرتي عقب انتهاء أعمال اللجنة السداسية أن الصين شاركت في هذه المشاورات أثناء زيارة وزير خارجية الصين للسودان وعملت على جمع الفرقاء في جنوب السودان مع منظمة الايغاد بغرض التشاور حول كيفية دعم الجهود المبذولة لتحقيق السلام في جنوب السودان.
وقال وزير الخارجية الصيني إن اجتماعات اللجنة السداسية هذه ليست مبادرة جديدة لكنها مشاورات لدعم جهود إيغاد والمساعي المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان والمنطقة، وأكد أن التركيز كان على مسألة الحفاظ على عملية السلام والتحضير الجيد لقمة إيغاد القادمة.
وقد دعا السيد وانغ يي طرفي الصراع في جنوب السودان على تسريع المصالحة وعملية السلام خلال مشاورات مع الأطراف المعنية في الخرطوم. مؤكداً أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإيجاد تسوية لمشكلة جنوب السودان.
وأشار سيادته اإلى الحكمة الصينية القديمة التي تقول (مستقبل مشرق سيبزغ طالما يجري تقديم تنازلات)، مشجعاً طرفي الصراع في جنوب السودان على اتخاذ إجراءات محددة وملموسة.
وأعلن وانغ يي في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير خارجية السودان علي كرتي، أن الصين قررت إرسال كتيبة مشاة تضم 700 جندي صيني لدولة جنوب السودان بناء على طلب من دولة الجنوب، مشيرا إلى أن هذه الكتيبة القتالية هي الأولى من نوعها التي ترسلها الصين خارج البلاد، لافتا إلى أن تلك القوات ستعمل تحت قيادة قوات حفظ السلام بجنوب السودان (اليوناميس) وستلتزم بكافة القرارات وتكليفات العمل الصادرة من الأمم المتحدة، وستعمل على توفير الحماية اللازمة لمواطني جنوب السودان، وتمنى أن تجد تلك القوات الترحيب والتعاون من جميع الأطراف.
وأكد سيادته أن القوات الصينية ستعمل تحت إشراف الأمم المتحدة وستنتشر في الأماكن التي تحددها قوات حفظ السلام الدولية بجنوب السودان وتحت مظلتها الأممية. وأشار إلى أن بلاده وبجكم عضوبتها الدائمة بمجلس الأمن، تدرك جيداً حدود مسؤوليات قوات حفظ السلام. وأشار إلى أن بلاده أرسلت من قبل وبناءا على طلبات أممية سابقة لجنوب السودان قوات حفظ سلام من سلاح المهندسين والشرطة المدنية للمساهمة في المساعدات الإنسانية المعونات اللازمة للمتأثرين من الصراع.
وقد أكد وزير خارجية الصين أن مشاركة بلاده في لجنة التشاور السداسية فيما يتعلق بأزمة دولة جنوب السودان تأتي من منطلق دورها كصديق لدول القارة الأفريقية، وتلبية لدعوة من السودان للمساهمة في دفع المفاوضات والمشاورات الهادفة إلى إنهاء النزاع بين طرفي الصراع بالدولة الوليدة. وأشاد سيادته بدور هيئة الإيغاد وجهدها لإحلال السلام ووقف العدائيات بدولة الجنوب، كما شكر الحكومة السودانية لاستضافتها المشاورات وجهودها المستمرة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام.
أما على صعيد تعزيز ودفع العلاقات الثنائية بين السودان والصين في كافة المجالات، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير يوسف الكردفاني، إن الزيارة تأتي في إطار تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية كافة، وتوسيع نطاق الاستثمارات الصينية في السودان.
ووصف الكردفاني زيارة الوفد الصيني إلى السودان بالمهمة، وقال إنها جاءت في توقيت مهم، فهي تمثل نقلة نوعية للدفع بالعلاقات بين السودان والصين إلى آفاق أرحب، خاصة أنها علاقات ترقى لمستوى الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية، مؤكداً أن المباحثات ستدفع بالعلاقات الثنائية بين السودان والصين في المجالات كافة.
من جانبه تعهد وزير الخارجية الصيني بدعم بلاده للسودان دون أية تردد حفاظاً على ما أسماه (العدالة الدولية) وقال في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره السوداني بالخرطوم، إن السودان يمر بمراحل حاسمة في التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأكد دعم البلاده للسودان خاصة الخطوات الرامية لانجاح الحوار الوطني، المساعدة في حلحلة الأزمة الإقتصادية السودانية والتغلب على كل العقبات. كما أكد السيد وانغ يي على أن تراجع انتاج النفط في السودان لم يهز العلاقات بين البلدين، وذلك لأن هذه العلاقات تقوم على قواعد ثابتة، وقال إن السودان والصين اتفقا على ان يبحثا عن وسائل ومجالات جديدة لتعزيز التعاون.
وأعلن أن بلاده تسعى إلى ايجاد حلول للقضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا، مؤكداً ان الصين تشعر بارتياح عميق لتحسن علاقة البلدين في الفترة الماضية، وقال سندعم السودان بدون أدنى تردد.
وفي السياق قال وزير خارجية السودان علي كرتي إن علاقة السودان بالدول الصديقة الأخرى لن تكون على حساب العلاقة مع الصين، وأكد وجود تنسيق وتشاور بين البلدين في كافة المجالات لتعزيز العلاقات الثنائية. وذكر أن الصين قدمت الكثير من الدعم للسودان لمساعدته على تخطي أزمته الاقتصادية، وأكد ان زيارة الوزير الصيني جاءت لدعم السودان.
هذا ويمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الصيني اكتسب أهمية خاصة من حيث التوقيت، فهي جاءت والسودان يشهد حراكاً سياسياً على خلفية اقتراب موعد الانتخابات العامة التي ستجرى في أبريل القادم، وكذلك مضي الحكومة قدماً في عملية الحوار الوطني توطئة لتحقيق الاجماع الوطني والتوافق على الثوابت الوطنية.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn