بقلم تانغ تشي تشاو: باحث بمركز أبحاث إفريقيا وغرب آسيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية
قام تنظيم داعش خلال الفترة الأخيرة بشن هجمات قوية على الإقليم الكردي، لذا قام المجتمع الدولي بتقديم مساعداته للأقليم، كما أثارت هذه الهجمات تعاطف الصينيين مع الأكراد. لكن سرعان ما تناقلت وسائل الإعلام خبر إختطاف 3 مهندسين صينيين في المنطقة الكردية جنوبي شرق تركيا، ما دفع الصينيين للتساؤل: لماذا يقوم حزب العمال الكردي بإستهداف الصينيين؟ بقطع النظر عن نوعية الإجابة، فإن القضية الكردية التي ترتفع حدتها بإستمرار ستمثل تحديا جديدا في الشرق الأوسط يجب على الصين أن تواجهه.
تعد القضية الكردية إحدى المشاكل القومية الناجمة عن الوضع المعقد في الشرق الاوسط. وتعود نشأتها إلى ما قبل قرابة نصف قرن من القضية الفلسطينية. وما يسمى بالقضية الكردية، هي مطالبة الأكراد حكومات دولهم الإعتراف بهويتهم، وتوسيع حقوقهم القومية، والسماح لهم بالحكم الذاتي أو الإستقلال. وينتشر الأكراد في إقليم كردستان الواقع بين 4 دول هي: تركيا، إيران، العراق وسوريا، وهي رابع أكبر قومية في الشرق الأوسط، يبلغ تعدادها 30 مليون نسمة.
بدأت القضية الكردية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حينما وعدت دول الحلف الأكراد بدولة مستقلة، لكنهم تراجعوا عن ذلك لاحقا نتيجة للمعارضة التركية، ومن ثم، تم تقسيم كردستان إلى 4 أجزاء. وخلال فترة طويلة، ظلت الهوية الكردية غير معترف بها من قبل بعض الدول، كما تعرض الأكراد للتمييز، وعانوا من تخلف مستوى التنمية الإقتصادية والإجتماعية. وإلى الآن، لم تتم معالجة القضية الكردية، وأصبحت عاملا هاما في عدم إستقرار الدول ذات الصلة.
تاريخيا، حصل الأكراد على بعض الفرص النادرة للاستقلال. وقد كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى أفضل فرصة، لكن للأسف تم إهدارها. وفي سنة 1991 و2003، مثلت الحربان اللتان شنتهما الولايات المتحدة على العراق منعرجا في مصير الأكراد. وفي ظل الفوضى التي تغرق الشرق الاوسط خلال السنوات الأخيرة، وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية والجغرافية في المنطقة، توفرت للأكراد فرصة إستراتيجية جديدة. وفي الحقيقة، إن الربيع العربي الذي إندلع في سنة 2011، قد تحول إلى "ربيع كردي".
في سوريا، إستغل الأكراد الفوضى العارمة لتأسيس قواة مسلحة، والسيطرة على المنطقة الكردية، كما أسسوا "حكومة ذاتية مؤقتة"، وأصبحوا يمارسون حكما ذاتيا فعليا كما مارسه أكراد العراق سابقا. وفي تركيا، تمكن الأكراد من كسر الحظر الذي فرض عليهم قرابة مئة عام، وحصل أول حزب يحمل إسم الكرد "الحزب الكردي الديمقراطي" على ترخيص قانوني. ومع تزايد حدة الصراع داخل العراق، توفرت للأكراد فرصة تحقيق مطامح الإستقلال التي إستمرت لقرابة مئة عام. وحتى الأسلحة التي يقدمها الأمريكا والأوروبا بشكل مباشر إلى أكراد العراق، تفسر على كونها علامة هامة على تحول السياسات الغربية. كما أصبح المزيد من الناس يعتقدون بأن إنفصال الأكراد لم يعد حلما في ظل الفوضى وإضطراب النظام اللذان تشهدهما العراق.
يعد التعامل مع القضية الكردية، إحدى التحديات التي تواجه الدبلوماسية الصينية. وهي تتعلق بأربعة أنواع من التحديات: أولا، إنفصال أكراد العراق قد يؤدي يمثل تحديا المبادئ الصينية في عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلاقات الصين بالدول المعنية. ثانيا، مع تنامي المصالح الصينية في المناطق الكردية، خاصة المنطقة الكردية العراقية، باتت الصين تواجه تحدي حماية مصالحها الخارجية والمحافظة على التوازن الحساس في علاقاتها مع الأكراد ومع السلطة المركزية. ثالثا، الصين بصفتها عضو دائم في مجلس ودولة نامية كبرى، يجب أن تتحمل مسؤولياتها حيال القضايا الإنسانية وحقوق الأقليات العرقية، كما يجب ألا تبقى مكتوفة الأيدي أمام القضايا الأمنية الكبرى في الشرق الأوسط. رابعا، نظرا لمواقف بعض الدول الشرق أوسطية الداعمة للمشاكل التي تواجهها الصين في المناطق الغربية، يأمل العديد من مستخدمي الإنترنت الصينيين أن ترد الحكومة الصينية على ذلك بدعم الأكراد. وهذا سيشكل إلى حد ما ضغطا من الرأي العام على الدبلوماسية الصينية.
بخلاصة، القضية الكردية شائكة جدا، لكنها تتعلق بالمصالح الصينية والأمن القومي الصيني، والأمن والإستقرار في المنطقة يتعلق بالأعراف الدولية والإنسانية الدولية، وليس أمام الصين الكثير من الخيارات الأخرى، غير المواجهة المباشرة.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn