تنحى رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، تاركا منصبه لحيرد العبادي. وفي الحقيقة، تبدو الفوارق ضبابية بين المالكي والعبادي، فهما من نفس الحزب، وينتميان لنفس المرجعية الدينية، كما لديهما مسيرة وآراء سياسية متشابهة. أما في ما يتعلق بنمط الحكم، والموقف من السُنة والأكراد، والعلاقات مع أمريكا، فتعد من المتغيرات.
حصل المالكي على إعتراف مختلف الأطراف نتيجة لأسلوبه القوي في الحكم بعد توليه منصب رئاسة وزراء العراق في 2006، حيث نجح في جمع الطوائف العراقية الثلاث المتعادية؛ وفي ثاني إنتخابات تشهدها العراق في عام 2010 بعد إسقاط نظام صدام حسين، لم تدعم أمريكا الفائز في الإنتخابات – "القائمة العراقية" التي يقودها إياد علاوي، واختارت الوقوف إلى جانب المالكي الذي خسر الإنتخابات. وبررت أمريكا إختيارها، بأن المالكي مازال السياسي العراقي الوحيد القادر على جمع الطوائف الثلاث، في ذات الوقت، هو صديق أمريكا، ومن المتوقع أن يوافق على إبقاء عدد ضئيل من الجنود الأمريكيين في العراق بعد 2011.
وبعد مواصلته الحكم، وفي ظل إستمرار الدعم الإيراني، سقطت إنتظارات أمريكا من المالكي في الماء، وهذا ربما السبب الرئيسي لتنحيه من السلطة، وبشكل عام، يمكن القول أن سبب صعود المالكي والعبادي إلى الحكم واحد. ورغم أن هذا التغيير في الرؤوس، يبدو ظاهريا في إطار العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على داعش، لكن في الحقيقة هي إستمرار لتبعات إسقاط النظام العراقي في عام 2003. ولا يمكن النظر إلى هذا التغيير على كونه منعرجا، بل هو مجرد ترميم، وهو ما يعني إستمرار تخبط العراق على طريق "الفوضى الخلاقة".
"الفوضى الخلّاقة "هي الأسس التي وضعها عالم الجغرافيا السياسية بريجينسكي، للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد إنبنى هذا المفهوم على سياسة "فرق تسد"، ويستند أساسا على عوامل عدم الإستقرار والعنف في المنطقة لكسب المصالح، لكن أيضا على عدم ترك الوضع يفقد السيطرة تماما. وبعد إسقاط نظام صدام حسين في 2003، وبعد المواجهات الطائفية الواسعة في سنة 2006، والفوضى التي يمارسها تنظيم داعش في الوقت الحالي، ظلت أمريكا متمسكة بفكرة تقسيم العراق الى 3 أجزاء. وقد سبق لنائب الرئيس الأمريكي الحالي، جون بايدن أن طرح مخططا يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق حكم ذاتي، على أن تضطلع السلطة المركزية في بغداد بمعالجة القضايا الأمنية والشؤون الخارجية، وتوزيع المداخيل النفطية. لكن جورج بوش الصغير لم يعتمد هذا المخطط، أما أوباما فصوت ضده.
من جهتها تعارض الدول المجاورة للعراق فكرة تقسيمه. حيث لا يزال أصحاب القرار السياسي يتمتعون بحد من العقلانية، ويتجنبون إتخاذ نفس المواقف التي يعبر عنها بعض الخبراء في وسائل الإعلام، ويبد أن مخطط التقسيم لا يمكن أن يقسم الهوية العراقية التي مرت بالعديد من الأزمات على مر تاريخها، وفي حال تم تنفيذ هذا المخطط، فإنه في ظل تراجع النفوذ الأمريكي وعجز الدول الإقليمية، سيكون الوضع أكثر سوءا. وفي هذا الوضع، سيصبح الجميع جالسين على برميل من البارود.
لذا يمكن القول، أن تغيير المالكي بالعبادي، هو مواصلة لـ"الفوضى الخلّاقة"، ويمكن وصفه بخيار العجز، واختيار لأخف الضررين، والمؤسف في هذا كله، أن هذا الخيار يعد خطوة مسؤولة وغير مسؤولة في ذات الوقت تجاه العراق.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn