الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

سياسة "الاستقلالية الجمركية"، تجربة انفتاح صينية جديدة تطل من هاينان

سياسة

في وقت تشهد فيه العولمة موجة معاكسة، وتتصاعد الحواجز الجمركية، تطلق جزيرة هاينان الصينية في 18 ديسمبر الجاري، سياسة " الاستقلالية الجمركية" ضمن استراتيجية ميناء هاينان للتجارة الحرّة. مما يمثل منعطفا تاريخيا لاقتصاد الجزيرة، وتصعيدا لمستوى الانفتاح الصيني.

وتقع جزيرة هاينان أقصى جنوب الصين، يحدّها من الشمال مضيق تشيونغتشو، ومن الغرب خليج بيبو وفيتنام، ومن الشرق بحر الصين الجنوبي وصولا إلى الفلبين وماليزيا وبروناي وعدّة دول أخرى. وقد جعلها هذا الموقع البحري المتميّز نقطة التقاء طبيعية بين البرّ الصيني وأسواق جنوب شرق آسيا، ومحطة بارزة على طريق الحرير البحري الجديد. وهذا مايوفر لهاينان بيئة مثالية لبناء نموذج خاص في التجارة الحرّة، يمكن تلخيص بعض ميزاته في مايلي.

أولا، همزة وصل بين السوق الصينية والاقتصاد العالمي

في خطوة لتوسيع الانفتاح وتسهيل التجارة، تبدأ هاينان في 18 ديسمبر الجاري تطبيق "سياسة الاستقلالية الجمركية". وهو ابتكار صيني خاص في مجال التجارة الحرّة، ينبني على ثلاثة مبادئ أساسية: أولا، حرّية الوصول إلى الخط الأول، ويعني ذلك تسهيل دخول وخروج البضائع بين هايْنان وَدول العالم، عبر إجراءات أكثر مرونة وسلاسة، وقد خصصت الجزيرة لذلك 8 موانئ كبرى للتجارة الدولية؛ ثانيا، الوصولٌ المضبوط إلى الخط الثاني، أي تطبيق رقابة دقيقة على البضائع المستوردة الّتي تدخل من هاينان نحو البر الرئيسي من خلال 10 موانئ، بما يحافظ على نظام السوق المحلية. أما ثالثا، فهو حرِّية التدفق داخل الجزيرة، من خلال السماح لمختلف العوامل الاقتصادية والسلع بالتحرك داخل الجزيرة بحريّة. مما يجعل من هاينان منطقة حرّة واسعة تقع عند تقاطع السوق العالمية والسوق الصينية.

وفي ظل هذه المبادئ الثلاث، سيتم رفع سقف السلع الأجنبية ذات "التعريفة الصفرية" من 21% إلى 74%. ماسينتج تدفقا غير مسبوق للبضائع داخل الجزيرة. في ذات الوقت، سيُسمح للسلع التي تحقق قيمة مضافة تفوق 30% داخل الجزيرة بدخول البرّ الرئيسي دون رسوم جمركية. مما يضع هاينان في مسار المواءمة مع أعلى القواعد العالمية في التجارة والاستثمار، ويمنح الشركات الأجنبية بيئة أكثر عدالة وشفافية عبر تطبيق قائمة سلبية لتجارة الخدمات والاستثمار.

ثانيا، "جنة السياحة والتسوق"

لطالما عُرفت هاينان بأنها "هاواي الصين"، نظرا لما تمتلكه من شواطئ جميلة وطبيعة استوائية ساحرة. لكن بعد إطلاق سياسة "الاستقلالية الجمركية"، ستتحوّل الجزيرة إلى مركز دولي للاستهلاك السياحي. حيث ستحافظ هاينان على سياسة التسوق المعفى من الرسوم الجمركية، مع تحسين قائمة السلع ومواءمتها مع الطلب الاستهلاكي المتغير. كما ستُطوّر الجزيرة المزيد من المشاريع الثقافية والسياحية الكبرى لإثراء تجربة الزائرين. وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة المحلّية نظام "الاستهلاك الآمن في هاينان"، الذي يوفر خدمة متكاملة للسائح تشمل شراء السلع، والتعامل مع الشكاوى، والتعويض المسبق. بما يهدف إلى خلق بيئة استهلاكية عالمية المستوى، تعطي للسائح المحلي والأجنبي إحساسا بالثقة والراحة والمرونة.

وتعد سانيا خير مثال على نموذج الانفتاح الذي يجمع بين السياحة والتسوق، فعلى مقربة من الشواطئ البيضاء الناعمة، توجد سوق سانيا الحرّة، التي تمتد على مايزيد عن 120 ألف مترا مربع، وتضمّ أكثر من 300 علامة تجارية فاخرة. وأمام المحلات يمكنك مشاهدة الصفوف الطويلة من الزبائن الأجانب و الصينيين، وكذلك المتسوقين الذين أتوا بملابس البحر للتسوق.

ثالثا، امتيازات ضريبية للشركات والأفراد

تمثل الامتيازات الضريبية، أحد عناصر الجاذبية في سياسة ميناء التجارة الحرة بهاينان، حيث تقدّم هاينان ما يسمى بسياسة "الخصم الضريبي المزدوج" بـ 15%، سواء على ضريبة دخل الشركات أو الدخل الفردي للكفاءات الأساسية. وقد شجّعت هذه السياسة خلال السنوات الماضية العديد من الشركات الكبرى على دخول المجمّعات الصناعية المتخصصة في هاينان، على غرار مجمّع “فوشينغتشينغ. ومع تطبيق سياسة "الاستقلالية الجمركية"، ستتوسع دائرة الإعفاءات الضريبية لتشمل المزيد من السلع المستوردة عبر الخط الأول، الأمر الذي سيخفض التكاليف التشغيلية للشركات ويمنحها ميزات تنافسية أكبر.

رابعا، بيئة ملائمة للعمل وريادة الأعمال

بفضل حزمة من السياسات تشمل تسهيلات التأشيرات، وتصاريح العمل، والمساحات البحثية، والخدمات المعيشية، أصبحت هاينان قبلة للعديد من الكفاءات الدولية. وإذا أخذنا مجمع "فوشينغتشنغ" على سبيل المثال، فقد نجح في استقطاب مئات الشركات الأجنبية وأكثر من 200 خبير ومهني أجنبي. وشكّل مايشبه حاضنة للابتكار وريادة الأعمال عابرة للحدود. وفي مقابلة مع موظف باكستاني يعمل في تسويق شاي هاينان عبر المنصات الرقمية بمجمع "فوشينغ تشنغ"، قال بأن مبيعات الأسواق الأجنبية قوية وواعدة. وهذا يشجعه على البقاء للعمل والتطور في هايكو.

خامسا، تسوية سريعة وغير مكلفة للنزاعات

لتوفير بيئة قانونية دولية وحماية حقوق كل مكونات السوق على قدم المساوات، افتتحت هاينان في سبتمبر الماضي مركزا جديدا لتسوية نزاعات الشحن في منطقة يانغبو، وهو أول مركز يجمع بين الوساطة والتحكيم والتقاضي ومعالجة الحوادث ضمن منصة واحدة. يمنح هذا النموذج الشركات حرية واسعة لاختيار المحكّمين وإجراءات الجلسات، ويضع هاينان في قلب حركة التجارة البحرية الإقليمية.

يأتي ذلك في سياق سعي الجزيرة إلى مواءمة نظامها القانوني مع المعايير الدولية، خاصة في قطاعات الشحن والاستثمار عبر الحدود، بما يعزز الثقة لدى الشركات الأجنبية ويمنحها بيئة قانونية شفافة. إلى جانب مساعدة الشركات على اختصار وقت وكلفة التقاضي.

ومع انطلاق سياسة الاستقلالية الجمركية، ستتقدم هاينان بثبات على خريطة الاقتصاد الإقليمي والدولي نحو بناء نموذج خاص للتجارة الحرّة، يجمع بين التجارة والسياحة والابتكار، وتكتب فصلا جديدا للانفتاح الصيني في ظل المصاعب التي تعصف بالعولمة والتجارة الدولية.

صور ساخنة