بقلم: د.أحلام بن إبراهيم
لم يكن ظهور الذكاء الاصطناعي مجرد تقدّم تقني، بل كان حدثًا يضع الإنسان أمام مرآة جديدة، مرآة تكشف حدود ما نظنه قدرة بشرية خالصة، وتعيد مساءلتنا حول ما يجعلنا بشرًا أصلًا. فالآلة اليوم تكتب، وتترجم، وتلخّص، وتستنتج، وتتعلم، وكأنها تتقدّم نحونا خطوة بخطوة. لكن ما إن نقترب نحن من حقيقة ما تفعله، حتى ندرك أن ما تحاكيه ليس الفكر نفسه، بل أثره الخارجي فقط، صورة ملساء بلا عمق، شبيهة بالفكرة لكنها ليست الفكرة.
وهنا تحديدا يظهر المترجم البشري، لا بوصفه موظفا يقوم بنقل الكلمات، بل بوصفه واحدا من آخر الحرفيين الذين ما زالوا يمارسون فعل الفهم في جوهره. فكل ترجمة هي في حقيقتها إعادة تفكير في النص، لا إعادة صياغة له. وكل نص يُنقل من لغة إلى أخرى هو في الآن نفسه عالمٌ يُعاد بناؤه، وروحٌ تبحث عن جسد ثان تتجسد فيه. أيّ آلة تستطيع أن تحسب احتمالات التعبير، لكن أيّ آلة تستطيع أن تلمس الاهتزاز الخفي الذي يجعل جملة ما تعبّر عن خوف، أو أمل، أو حكمة اكتسبتها الثقافة عبر قرون؟
الذكاء الاصطناعي قد ينجح في نقل الجملة، لكنه لا يعرف من أين أتت، ولا إلى أين تريد أن تصل. المترجم وحده هو من يقف عند تخوم النص، ويستمع لما يقوله وما لا يقوله. المترجم لا يحدس معنى العبارة فقط، بل يحدس المسافة بين العبارة وما كان يمكن أن تُقال به، وهي المسافة التي لا تُدرك بالخوارزميات، بل بالحسّ الإنساني وحده.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي أحدث زلزالًا في بنية المهنة. فالنصوص الروتينية، المكررة، التقنية، لم تعد تحتاج لجهد بشري كما في السابق. وأمام هذه الحقيقة، يشعر البعض أن المترجم في طريقه إلى الهامش. لكن هذا الخوف نفسه ينمّ عن رؤية اختزالية لدور المترجم، كأنه مجرد آلة لغوية قديمة سيتم استبدالها بآلة أحدث. بينما الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي لم يلغِ دور الإنسان، بل كشف أي جزء من عمل الإنسان كان آليًا أساسًا، وأي جزء كان بشريًا لا يُستبدل.
لقد أصبح واضحًا أن مستقبل المهنة لن يكون لصنّاع الجمل، بل لصنّاع المعنى. لن يكون لمن يجيد الانتقال بين الحروف، بل لمن يجيد الانتقال بين العوالم، بين الثقافات، بين طبقات الخطاب. إن الذكاء الاصطناعي أجبر المترجم على العودة إلى جوهر مهنته: التأويل، القراءة العميقة، الحس البلاغي، والقدرة على رؤية النص لا ككتلة لغوية، بل ككائن حيّ له تاريخٌ ونوايا ومعمار داخلي.
وفي هذا التحوّل يكمن البعد الفلسفي العميق للمسألة: الذكاء الاصطناعي لم يكن خصمًا للمترجم، بل كان خصمًا لكل ما هو سطحي في عمل المترجم. لقد حرّره من الحرفية التي كانت تشدّه إلى الأرض، ودفعه نحو المنطقة التي لا تطالها الآلة: منطقة الفهم الإنساني. فالآلة تتقن النقل، لكنها لا تعرف لماذا ننقل. تتقن تركيب الجمل، لكنها لا تعلم لماذا تهتز النفس أمام جملة أكثر من أخرى. تتقن إعادة بناء النص، لكنها لا تنجح في رؤية ما وراء النص.
وهكذا يتضح أن مستقبل المترجم لن يكون مستقبل مهنة تتضاءل، بل مستقبل مهنة تعود إلى ماهيتها الأولى. وبقدر ما يتقدم الذكاء الاصطناعي، يتقدم معه دور المترجم نحو مستويات أكثر عمقًا وتعقيدًا. يصبح المترجم خبيرًا في ما بعد الترجمة، لا بصفته مصحّحًا لغويًا، بل بوصفه قارئًا مفكرًا يعيد للنص روحه التي فقدها في رحلة العبور الآلي. يصبح المترجم الشخصية التي تسند العالم الثقافي في زمن لم تعد فيه الثقافة تُحمَل بالوعي البشري وحده، بل بالبيانات.
وبهذا المعنى، فإن المترجم والآلة لا يتحاربان، بل يحددان حدود بعضهما البعض: الآلة تكشف أين يبدأ الإنسان، والإنسان يكشف أين تتوقف الآلة. ويبقى الفارق بينهما ليس فارق قدرة، بل فارق جوهر. جوهر الحسّ، والحدس، والقدرة على أن نكون شهودًا على المعنى قبل أن نكون ناقلين له.



توسيع مزارع قصب السكر يحيي صناعة السكر البني في لونغهوي
مزارع بحرية ذكية في يانتاي… خطوة جديدة لتعزيز جودة الاقتصاد البحري في شاندونغ
"شرطي مرور يعمل بالذكاء الاصطناعي" ينظم المرور في مدينة هانغتشو
زيارة "مطعم المعكرونة الصامت" في تشنغتشو بمقاطعة خنان
الأطول من نوعه عالميا، إتمام قوس جسر فنغلاي داسي العملاق بتشونغتشينغ
الصين تصدر تميمة عام الحصان
زفاف صديق للبيئة: المحاصيل بدلا من الورود والهدايا جاهزة للالتقاط
جينهوا، تشجيانغ: استخدام روبوتات التفتيش والنقل الذكية للصوب الزراعية رسميًا
هامي، شينجيانغ: حيوانات صغيرة "تنمو" من ثقوب الأشجار
عاملات النظافة في جامعة داليان للغات الأجنبية يبدعن مظلّات مصنوعة من الجنكة
شينغان، جيانغشي: حصاد الفطر الأسود
"ياقوت أمريكا الشمالية" يتجذر في بلدة صغيرة في الصين