الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

تقرير اخباري: لماذا تكثّف الشركات الأجنبية استثماراتها في البحث والتطوير داخل الصين

حقّق الاستثمار الأجنبي في الصين هذا العام زخما واضحا، حيث تزايدت استثمارات الشركات متعددة الجنسيات في مجال البحث والتطوير، وتسارعت وتيرة إنشاء مراكز الأبحاث الجديدة. وتشير الإحصاءات إلى أنه حتى سبتمبر من هذا العام، بلغ إجمالي عدد مراكز البحث والتطوير الأجنبية في شنغهاي 631 مركزا، بينما وصل عددها في بكين حتى يناير من العام ذاته إلى 221 مركزا.

وشملت موجة الاستثمارت الجديدة، مشاريع ضخمة، على غرار العقد الذي وقعته مجموعة بوش الألمانية مؤخرا، مع مجمع سوتشو الصناعية، والذي تخطط بموجبه لاستثمار نحو 10 مليارات يوان خلال السنوات الخمس المقبلة، لإنشاء مشروع ابتكاري في مجال التحكم الذكي في القيادة. ويركّز المشروع على البحث والتطوير وإنتاج حلول أنظمة القيادة الذكية المتكاملة، إضافة إلى أجهزة وبرمجيات قمرة القيادة الذكية.

كما تتضمن هذه مشاريع استثمارية جديدة، على غرار الاستثمار الجديد الذي قامت به شركة دانفوس الصناعية الدنماركية بقيمة 2.7 مليار يوان لبناء ثاني مجمع صناعي لها في الصين في مدينة جياشينغ بمقاطعة تشجيانغ. ويتضمن المشروع مصنعا مستقبليا ومجمعا صناعيا خاليا من الكربون، يجمع بين البحث والتطوير والاختبار والإنتاج والعرض التوضيحي. وهي تمثل الزيادة العاشرة في رأس مال الشركة خلال العشرين عاما الماضية.

هذا النشاط المتزايد للشركات الأجنبية في تأسيس و توسيع استثماراتها بمجال البحث والتطوير في الصين لا يعكس ثقتها ببيئة الاستثمار الصينية فحسب، بل يعكس أيضا تقديرها لبيئة الابتكار الصينية.

فالصين لا تمتلك سوقا استهلاكية ضخمة فحسب، بل تُعد كذلك من أكثر الأسواق ديناميكية، إذ تظهر فيها باستمرار اتجاهات ومتطلبات جديدة. ويُعد الاندماج في موجة النمو المتصاعدة في الصين أمرا بالغ الأهمية لاغتنام الفرص الجديدة وسط التحولات الجارية واكتساب مساحة أكبر للتطور. فعلى سبيل المثال، شكّلت المنتجات الصينية المبتكرة إلى حدود عام 2023 نسبة 15% من إجمالي منتجات باير العالمية المبتكرة في قطاع الصحة والعافية، وهي النسبة الأعلى بين الأسواق الفردية.

كما أصبحت الصين اليوم رائدة في العديد من مجالات التكنولوجيا المتطورة. ولم يعد الاستثمار فيها مجرد استراتيجية توطين، بل مبادرة عالمية استشرافية، إذ بات مبدأ "البحث والتطوير في الصين، وخدمة العالم" توجّها أساسيا تعتمده العديد من الشركات متعددة الجنسيات للحفاظ على تنافسيتها وتعزيزها.

مستفيدة من نظامها الصناعي المتكامل ومجالات التطبيق المتعددة، لاتزال الصين تحتفظ بدورها كـ"مصنع العالم"، فيما تتزايد أهميتها في سلسلة الابتكار العالمية يوما بعد يوم. وقد تجاوز تركيزها على البحث والتطوير متوسط الاتحاد الأوروبي، وقفز تصنيفها في مؤشر الابتكار العالمي إلى المرتبة العاشرة، كما دخلت 24 مجموعة ابتكارية صينية قائمة أفضل 100 مجموعة ابتكارية عالمية. بالإضافة إلى ذلك كله، تمتلك الصين وفرة في موارد بشرية وسلسلة صناعية متكاملة توفر دعما قويا لكفاءة البحث والتطوير. بينما خلق انتشار ثقافة الابتكار وتشجيعها في المجتمع بيئة عمل مرنة ومحفزة.

ومن الحكومات والشركات إلى المستهلكين، أسهم المستوى العالي من تقبّل الابتكار في خلق دورة إيجابية بين التكنولوجيا والسوق. وسواء تعلق الأمر بالقيادة الذكية، أو الإنترنت الصناعي، أو الرعاية الصحية، أو الطاقة الخضراء، فإن السوق الصينية قادرة على توفير سلسلة متكاملة تبدأ من إثبات المفهوم وتنتهي بالتسويق التجاري للتقنيات والمنتجات الجديدة.

فعلى سبيل المثال، توصلت شركة الأدوية متعددة الجنسيات "أسترازينيكا" هذا العام إلى اتفاقية تعاون استراتيجي مع مجموعة"سي أس بي سي" للأدوية، بهدف الاستفادة من أحدث التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية لتحليل أنماط ارتباط البروتينات المستهدفة بالجزيئات المركبة، واستكشاف أدوية جزيئية صغيرة عالية الفعالية ذات إمكانات تطوير متميزة. ويعكس ذلك التحول الكبير في دور الصين ومكانتها ضمن مشهد الابتكار العالمي. إذ لم يعد تطوير الشركات متعددة الجنسيات لاستثماراتها في الصين مجرد نقل لروابط الإنتاج، بل إعادة توزيع لموارد الابتكار العالمية، وخيارا استراتيجيا للمستقبل.

ولا تنفصل جاذبية الصين عن مستوى انفتاحها العالي، فمن تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية للشركات ذات الاستثمار الأجنبي في المشتريات الحكومية إلى تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية عبر آليات مبتكرة، أسهم التحسين المستمر لبيئة الأعمال في خلق تدفق ثنائي الاتجاه بين زيادة الاستثمار الأجنبي وتوسع انفتاح الصين. وكلما ازداد فهم العالم للصين، تعززت الثقة فيها. ولا شك أن الشركات الأجنبية المتجذرة في السوق الصينية تنجذب إلى حيوية هذه الأرض النابضة بالحياة وما تزخر به من فرص واعدة.

حيثما تكون بيئة السوق مواتية، يتدفق رأس المال، وحيثما تكون منظومة الابتكار قوية، تتجمع الموارد. وقد أكدت الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني على "تعزيز الإصلاح والتنمية من خلال الانفتاح، وتقاسم الفرص وتحقيق التنمية المشتركة مع جميع دول العالم".

ومن الاستفادة من المزايا النسبية في إطار نموذج "التقسيم الرأسي للعمل" إلى الاتجاه نحو الابتكار التعاوني والتعاون المربح للجميع في مجالات أكثر شمولا، تتزايد أهمية الصين في الاقتصاد العالمي باستمرار، بينما يبقى طموحها الأصلي ثابتا، في مشاركة فرص التنمية مع العالم. فالصين المنفتحة على العالم، التي توظف موارد الابتكار العالمية بفاعلية أكبر، عازمة على مواصل العمل جنبا إلى جنب مع مختلف الدول لبناء مستقبل أكثر إشراقًا وشمولا.

صور ساخنة