أصبح الحل السلمي للقضية الفلسطينية وتطبيق "حل الدولتين" محور الاهتمام الدولي خلال الأسبوع رفيع المستوى للدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأعلنت فرنسا وموناكو وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا اعترافهم الرسمي بدولة فلسطين. وفي وقت سابق، أدلت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بتصريحات مماثلة. وارتفع عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين إلى 157 دولة من بين الدول الأعضاء الـ 193 في الأمم المتحدة.
يعتقد الرأي العام أن هذه "الموجة من الاعترافات" قد أضافت عوامل إيجابية للوضع المعقد في الشرق الأوسط. مع ذلك، فإن مجرد الاعتراف بـ"حل الدولتين" لا يكفي. ويجب على المجتمع الدولي إظهار شجاعة أكبر واتخاذ إجراءات ملموسة لضخ زخم سياسي أقوى في تنفيذه.
إن جوهر "حل الدولتين" هو التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل كدولتين ذات سيادة. يعتقد المجتمع الدولي عمومًا أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تطبيق "حل الدولتين"، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وعلى الرغم من أن فلسطين أعلنت استقلالها عام 1988، واعترفت بها الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلا أن معظم الدول الغربية التزمت الصمت طويلًا حيال هذه القضية. وإن اندلاع جولة جديدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو بالتحديد نتيجة التهميش طويل الأمد للقضية الفلسطينية.
تسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر في كارثة إنسانية غير مسبوقة. فقد أكثر من 65 ألف شخص حياتهم في قطاع غزة، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال، ويواجه مليونا شخص أزمة بقاء. وخلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت دول عديدة إلى إنهاء "الإبادة الجماعية في غزة"، وتوصل المجتمع الدولي إلى إجماع أقوى على ضرورة تطبيق "حل الدولتين". وصرح رياض منصور، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، قائلاً: "إن الاعتراف بدولة فلسطين هو دعم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، إنه ليس منحة بل حق مشروع." كما قالت أنالينا بيربوك رئيسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة الحالية، إن المجتمع الدولي بصدد وضع خارطة طريق عملية وقابلة للتنفيذ ولا رجعة فيها لتحقيق "حل الدولتين".
إن احتمام القتال يهدد سلامة المدنيين ويزيد من صعوبة التوصل الى حل سياسي للصراع. وأن الأولوية القصوى الآن هي الدفع نحو وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن. ويؤدي التصعيد المستمر للهجمات العسكرية إلى إزهاق أرواح عدد لا يُحصى من الأبرياء يوميًا. ويُعدّ تسليح المساعدات الإنسانية وعسكرة توزيعها انتهاكين خطيرين للقانون الدولي، يُعرّضان "حل الدولتين" للخطر، ويؤثران بشكل مباشر على الاستقرار في الشرق الأوسط. وينبغي على المجتمع الدولي، وخاصةً الدول ذات النفوذ الكبير على الأطراف المتنازعة، أن يتحملوا مسؤولياتهم بجدية، وأن يتخذوا موقفًا محايدًا، وأن يتوسطوا بنشاط ويشجعون محادثات السلام. كما ينبغي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الوفاء بمسؤولياتها وتهيئة ظروف واقعية لتنفيذ "حل الدولتين".
يعد الحل السياسي السبيل الشرعي الوحيد للخروج من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن التحيز الأعمى من جانب بعض البلدان جعل هذا الطريق محفوفًا بالعقبات. ومن منطلق المصالح الجيوسياسية الأنانية، اعتمدت بعض الدول منذ فترة طويلة مواقف متحيزة، وعرقلت تنفيذ "حل الدولتين"، وفاقمت التوترات، وقوضت بشكل خطير سلطة سيادة القانون الدولي والآليات المتعددة الأطراف. وقد أشارت مجلة نيويورك إلى أنه في مواجهة الكارثة الإنسانية في غزة، فإن الولايات المتحدة، التي تعتقد أنها تتحمل مسؤولية الحفاظ على نظام ما بعد الحرب، تتغاضى الآن عن حمام الدم، متخليةً تمامًا عن ادعاءها بالالتزام بالمعاهدات والقوانين. وعلقت افتتاحية في صحيفة الأهرام المصرية بأن حق النقض (الفيتو) الأمريكي للقضية الإسرائيلية الفلسطينية ودعمه العسكري عاملان مهمان في عرقلة "حل الدولتين".
إن "حل الدولتين" يتعلق بالحد الأدنى من العدالة الدولية، ولا يمكن التراجع عنه. ويجب أن يكون الأمن مشتركًا، ولا يمكن لأي دولة أن تبني أمنها على انعدام أمن الدول الأخرى. إن الدولة المستقلة حق غير قابل للتصرف للشعب الفلسطيني، ولا يمكن التفاوض عليه. ولإسرائيل الحق في دولة، ولفلسطين أيضًا الحق في دولة. ولا يمكن تطبيق معايير مزدوجة في هذه القضية. وفي مواجهة الظلم التاريخي الطويل الذي عانى منه الشعب الفلسطيني، لا عذر لأحد للتأخير أو التقاعس. وفي القضايا المتعلقة بمستقبل الشعب الفلسطيني ومصيره، لا ينبغي لأي دولة أن تمتلك حق النقض.
لقد كانت القضية الفلسطينية دائما جوهر قضية الشرق الأوسط. ولا سبيل لكسر حلقة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المفرغة وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، إلا بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني والتطبيق الكامل لـ"حل الدولتين". وأن غزة والضفة الغربية أرضان فلسطينيتان غير قابلتين للتصرف، وأية ترتيبات للحكم وإعادة الإعمار بعد الحرب يجب أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وضمان تنفيذ مبدأ "الفلسطينيون يحكمون فلسطين". كما ينبغي على كافة الأطراف أن تدعم خطة إعادة إعمار غزة التي أقرتها القمة الطارئة للدول العربية والاجتماع الوزاري الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية في ممارسة سلطتها الفعلية على كافة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة والضفة الغربية.
وفي الوقت الحاضر، فإن الصوت الدولي الداعم لـ "حل الدولتين" مرتفع بشكل غير مسبوق، مما يدل على الإرادة السائدة للمجتمع الدولي. وفيما يتعلق بـ"موجة الاعترافات" الأخيرة، وصفها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بأنها "تاريخية"، وقال إنها ستساعد في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سلميا على أساس "حل الدولتين". وينبغي على جميع الأطراف اغتنام الفرصة لحشد مزيد من الإجماع الدولي وتشكيل موقف موحد، واستنادًا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ينبغي عليهم دعم انضمامها رسميًا إلى الأمم المتحدة، والسعي إلى سبل عملية ومجدية لتعزيز "حل الدولتين"، ورفض أي إجراءات أحادية الجانب تُقوّض أسس "حل الدولتين".
إن الطريق من الاعتراف بـ"حل الدولتين" إلى تطبيقه طويل وشاق. ومع ذلك، فإن كفة التاريخ ستميل في النهاية نحو العدالة، وستشق بذور السلام طريقها حتمًا عبر تربة الكراهية. وينبغي للمجتمع الدولي أن يركز، بمزيد من التصميم، على إنعاش الآفاق السياسية لتنفيذ "حل الدولتين" والعمل بشكل مشترك على تعزيز التوصل إلى حل مبكر وشامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية.