الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

تقرير اخباري: كيف أصبحت السوق الصينية ملاذا آمنا لرؤوس الأموال العالمية

حافظت سوق رأس المال الصينية مؤخرا على وتيرة نشاط ملحوظة، ففي 18 من الشهر الجاري، أغلق مؤشر شنغهاي المركب فوق حاجز 3700 نقطة، فيما استمر تدفق رؤوس الأموال المتجهة شمالا عبر بورصة هونغ كونغ لشراء أسهم البر الرئيسي، بمشاركة واسعة من المستثمرين، ومن بينهم مستثمرون من كوريا الجنوبية.

وقد شهدت أسواق الأسهم من الفئة "أ" ارتفاعا مطردا مدفوعا بجملة من العوامل الإيجابية، ما عزز معنويات السوق وزاد ثقة المستثمرين. ولا يُعد هذا الحراك مجرد انتعاش عابر، بل يمثل انعكاسا واضحا للنمو الاقتصادي المستقر في الصين، والتحسن الهيكلي للاقتصاد الصيني.

اليوم، تحولت سوق رأس المال الصينية من كونها مجرد "خيار" ضمن بدائل الاستثمار، إلى "ملاذ آمن" لتوزيع الأصول العالمية. ففي ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق المالية الدولية، أصبح أبسط تغيير في السياسات الجمركية أو التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة، كفيلا بإحداث تقلبات حادة في الأسواق. وقد أدى ذلك إلى زيادة ميل المستثمرين الدوليين إلى تجنّب المخاطر، وإعادة تقييم وجهات استثمارهم من حيث النمو والأمان، وهو ما عزز جاذبية السوق الصينية.

وتستند هذه الجاذبية إلى مزايا مؤسسية واضحة تتمثل في الاستقرار السياسي والاجتماعي، واقتصاد فعّال ضمن نطاق متوازن، إلى جانب أدوات سياسات قوية توفر مرونة كبيرة في مواجهة المخاطر، مع الحفاظ على زخم نمو مستقر.

في هذا السياق، كشفت بيانات حديثة صادرة عن شركة كوريا لإيداع وتسوية الأوراق المالية أنه مع نهاية يوليو الماضي، بلغ حجم التداول التراكمي للمستثمرين الكوريين الجنوبيين في الأسهم الصينية 5.514 مليار دولار أمريكي، متجاوزا إجمالي ما تحقق خلال العام الماضي بأكمله. وتتركز استثمارات هؤلاء المستثمرين بشكل خاص في الشركات الرائدة بمجالات التكنولوجيا، وعلى رأسها السيارات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي، وصناعة الرقائق.

وفي السياق ذاته، رفعت مؤسسات مالية دولية كبرى، من بينها جولدمان ساكس، ومورغان ستانلي، ونومورا للأوراق المالية، توقعاتها بشأن أداء سوق الأسهم الصينية، في إشارة واضحة إلى استمرار النظرة المتفائلة.

من اللافت أن دور الاستثمار الأجنبي لم يكن الوحيد في دعم سوق الأسهم من الفئة "أ"، إذ لعب رأس المال الحكومي أيضا دورا مهما وحاسما في تعزيز التطور السليم للسوق. فمنذ بداية العام، تولى رأس المال الحكومي تدريجيا دور "الاستثمار الصبور" طويل الأمد، بما يسهم في تحسين جودة الشركات المدرجة، وتعزيز استقرار السوق. ومن خلال استثمارات استراتيجية مدروسة، شارك رأس المال الحكومي بفاعلية في تطوير الصناعات الناشئة الاستراتيجية، وهو ما دعم الاقتصاد الحقيقي وعزز الثقة بين المستثمرين المحليين والأجانب.

وبالنظر إلى سوق الأسهم كمقياس للأداء الاقتصادي الكلي، فإن هذا الانتعاش يعكس بشكل منطقي مرونة الاقتصاد الصيني وإمكاناته الكبيرة وآفاقه المستقبلية الواعدة. ويُعزى ذلك إلى عاملين رئيسيين: أولهما التحسن المستمر في أساسيات الاقتصاد، وثانيهما تعميق انفتاح سوق رأس المال، حيث يوفر الأول دعما قويا لاستقرار السوق، بينما يوفر الثاني الضمانات المؤسسية للمستثمرين الأجانب. ففي النصف الأول من هذا العام، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 5.3% على أساس سنوي، بزيادة 0.3 نقطة مئوية عن معدل النمو السنوي لعام 2024، وهو ما وضع أساسا متينا لتحقيق الأهداف السنوية.

وأظهرت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، مثل القيمة المضافة للقطاع الصناعي وقطاع الخدمات، أداء إيجابيا، إذ ارتفعت القيمة المضافة لتصنيع المعدات بنسبة 10.2% على أساس سنوي، فيما زادت القيمة المضافة لتصنيع التكنولوجيا الفائقة بنسبة 9.5%.

هذه الأسس المتينة، إلى جانب الأداء المتميز، دفعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للإبقاء على التصنيف الائتماني السيادي للصين عند "A+" مع نظرة مستقبلية "مستقرة". وفي الوقت نفسه، يبرز عدد متزايد من الشركات الرائدة ذات القدرة التنافسية العالمية في مجالات حيوية مثل الطاقة الجديدة، والذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والأدوية الحيوية، وهو ما أوجد مجموعة من الشركات المدرجة عالية الجودة ذات تقييمات معقولة وأرباح مستقرة وتقنيات متقدمة، لتشكل قاعدة أساسية للمستثمرين الأجانب الباحثين عن استثمار طويل الأجل في السوق الصينية.

وعلى صعيد تعميق الانفتاح، فقد أتاح الانفتاح المؤسسي لسوق رأس المال أمام المستثمرين الأجانب فرصا أوسع ومرونة أكبر في شراء أسهم الفئة "أ". وبعد سنوات من الإصلاحات المتعمقة، شهدت البنية التحتية لسوق رأس المال في الصين تحسنا ملحوظا، فيما ارتفع مستوى الانفتاح تدريجيا، وتقلّصت القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي. كما نضجت آليات الربط بين بورصات شنغهاي وهونغ كونغ، وشنتشن وهونغ كونغ، فضلا عن ربط السندات، ما وفر قنوات فعّالة وملائمة لتخصيص رأس المال الدولي.

وبحسب البيانات الرسمية، بلغت القيمة السوقية للصناديق المتجهة شمالًا بنهاية الربع الثاني من عام 2025 نحو 2.29 تريليون يوان صيني موزعة على 3572 سهما فرديا، بإجمالي 123.511 مليار سهم، وهو ما يمثل زيادة بنحو 80 مليار يوان خلال الأشهر الستة الماضية.

وتركزت الاستثمارات في قطاعات محورية مثل معدات الطاقة، والخدمات المصرفية، والإلكترونيات، والصناعات الدوائية الحيوية. ويُظهر هذا التوجه أن تعميق الانفتاح أتاح للمستثمرين الأجانب فرصا أكبر للمشاركة في تنمية الصين، وفي المقابل عززت ثمار التنمية ثقتهم المتزايدة بآفاق الاقتصاد الصيني، ما خلق شراكة متبادلة التحفيز بين الطرفين.

وبشكل عام، أسهمت المزايا الصناعية التي يتمتع بها قطاع التصنيع في الصين، إلى جانب الانفتاح المالي الناتج عن الإصلاحات الاقتصادية الموجهة نحو السوق، في تشكيل إطار داعم متكامل للتنمية عالية الجودة لسوق رأس المال. فعلى صعيد التجارة الخارجية، يواصل الاقتصاد الصيني الموجه نحو الخارج توسعه بفضل مبادرة "الحزام والطريق"، بما يعزز تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، ويدعم إصلاح نظام المدفوعات الدولية.

أما داخليا، فقد أدى تعميق الإصلاحات والانفتاح الشامل إلى تحسين بيئة الأعمال، وإطلاق حيوية مختلف الكيانات التجارية. وفي إطار بناء دولة مالية قوية، تمضي الصين قدما في تحسين النظام المالي الحديث، ما يعزز جودة الخدمات المالية وكفاءتها في خدمة الاقتصاد الحقيقي، ويدفع عجلة التحديث وفق "النموذج الصيني".

وتشير التوقعات إلى أن سوق الأسهم الصينية من الفئة "أ" ستواصل ترسيخ مكانتها كـ"ملاذ آمن" و"قطب نمو" لرأس المال العالمي، بفضل الآثار الإيجابية للتنمية الاقتصادية عالية الجودة، والانفتاح المالي رفيع المستوى، وقوة السوق. ولا يُمثل استمرار تدفق رأس المال الأجنبي مجرد إعادة تقييم للأصول الصينية، بل يُعد أيضا تصويتا طويل الأمد على نموذج التنمية الصيني وقدرات الحوكمة فيه. ومع اتساع دائرة الانفتاح على مصراعيها، من المرجح أن يلعب سوق رأس المال الصيني دورا متزايد الأهمية والتأثير في المشهد المالي العالمي.

صور ساخنة