عباس جواد كديمي
ستستضيف مدينة تيانجين الصينية خلال الفترة من ٣١ أغسطس الحالي إلى الأول من سبتمبر المقبل، قمة مجلس رؤساء وزعماء الدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي للتعاون، وهي المرة الخامسة التي تستضيف فيها الصين هذه القمة، وتتولى رئاستها الدورية لدورة ٢٠٢٤-٢٠٢٥. وتُعقد الدورة تحت شعار "التمسك بروح شانغهاي: منظمة شانغهاي للتعاون تنمو وتتطور". في منتصف يوليو الماضي، كانت تيانجين قد استضافت أيضا منصة حوارات دبلوماسية جمعت مجلس وزراء الشئون الخارجية للدول الأعضاء بالمنظمة.
الصين العضو المؤسس لهذه المنظمة، تولي أهمية كبيرة للقمة المقبلة لمجلس رؤساء وزعماء المنظمة، ولاجتماع مجلس وزراء الشئون الخارجية، ولكافة فعاليات وآليات هذه الدورة. وقد أكدت على لسان الرئيس شي جين بينغ، أنها حريصة خلال فترة رئاستها الدورية هذه، على أن تبقى المنظمة وفيّة للأهداف التي تأسست عليها، وتلبّي تطلعات الشعوب وتضطلع بمسئوليتها التاريخية، بما يعزز العوامل التي توفر الأساس المتين لتحرّك المنظمة باتجاه إحراز تقدم عالي الجودة.
لقد أكدت الصين سعيها لحشد القوى من أجل المزيد من تطوير وتعزيز وتعميق التعاون بين أعضاء المنظمة بالمجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتكثيف الجهود لبناء مجتمع مشترك بين الدول الأعضاء بالمنظمة تتجسد فيه الوحدة والتضامن والثقة والاحترام وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية والصداقة وحسن الجوار. المتابع لفعاليات المنظمة منذ تأسيسها، يمكن أن يرى أن الصين حريصة على قرن أقوالها وتعهداتها بأفعال واقعية ملموسة على أرض الواقع. فمنذ توليها الرئاسة الدورية للمنظمة في دورتها الحالية (٢٠٢٤-٢٠٢٥) خططت الصين لعقد أكثر من ١١٠ فعاليات هامة تغطي مجالات متنوعة، من بينها عشرات الآليات لعقد لقاءات على المستوى الوزاري، بما يسهم في جعل التعاون الأمني أكثر فاعلية، ويضخ زخما إضافيا لمجمل تعاون التنمية وخاصة التعاون العالي الجودة ضمن مبادرة الحزام والطريق، ويدفع تشييد البُنى التحتية الهامة المشتركة في مجالات النقل والمواصلات والطاقة والمالية، والعلوم والتكنولوجيا وتشاطر الخبرات، ويعزز التجارة البينية، ويحسّن بناء المؤسسات، ويقوي الترابط الفعلي بين المؤسسات وبين شعوب الدول الأعضاء.
بعض الأمثلة لمشاريع بنتها الصين في الدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي للتعاون
خط السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، وخط النقل البري من مدينة كاشغار بمنطقة شينجيانغ غرب الصين إلى ميناء جوادر ضمن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان ومنه إلى دول في غربي ووسط آسيا. وبَنَت الصين أيضا ما مجموعه ٢١ منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في دول المنظمة، الأمر الذي أسهم بتوفير فرص عمل للمحليين وزيادة العوائد الضريبية، ومن هذه المناطق على سبيل المثال المنطقة التجارية الخاصة في كمبوديا والتي جذبت مئات الشركات المتعاونة ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق. وفي ميانمار، حصلت مجموعة شركات من دول منظمة شانغهاي للتعاون وعلى رأسها شركة صينية، على حق بناء مجمع صناعي وميناء مياه عميقة بالمنطقة التجارية الخاصة في ميانمار، الأمر الذي يسهم بتطوير البنية التحتية بهذا المجال وخلق فرص عمل للمحليين وتحسين حياتهم.
في عام ٢٠٢٤، بلغ التبادل التجاري بين الصين والدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي للتعاون وشركاء الحوار والمراقبين، رقما قياسيا هو ٨٩٠ مليار دولار أمريكي، في حين بلغ إجمالي مخزون مختلف أنواع الاستثمارات أكثر من ١٤٠ مليار دولار، بينما تجاوزت قيمة العقود الهندسية الموقعة حديثا تريليون دولار، وحجم تداول رأس المال التراكمي أكثر من ٦٨٠ مليار دولار.
مبادرات الصين لأمن العالم وحضاراته وتنميته
في إطار حرص الصين على الإسهام بالحكمة الصينية لمواجهة تحديات العالم ومعالجة مشاكله، وخاصة في ظل ظروف غياب السلام والاستقرار والحوكمة الرشيدة التي تسهم بالأمن والتنمية، وعلى أساس هذا الحرص، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، مبادرات هامة، هي مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، طرحه بالأمم المتحدة في عام ٢٠١٥، ومبادرة التنمية العالمية عام ٢٠٢١، ومبادرة الأمن العالمي في ٢٠٢٢، ومبادرة الحضارة العالمية في عام ٢٠٢٣، إضافة لاقتراحه مبادرة الحزام والطريق عام ٢٠١٣.
هذا الحرص الصيني، ومعه حرص وتطلعات دول الجنوب العالمي، يأتي على النقيض تماما من تصرفات أخرى تبرز فيها مواقف زئبقية متقلبة وتصريحات يتم إطلاقها صباحا ثم يتم التراجع عنها مساءً، في ظل غياب واضح لاحترام الدبلوماسية والأعراف الدولية، ونكث العهود ونقض التعهدات. الاستمرار بسياسات الهيمنة والغطرسة للغرب مجتمعا، وغياب الحكمة الدبلوماسية واضمحلال الثقة بالسياسات الأمريكية، ينبغي أن يدفع دول العالم، ولا سيما دول الجنوب، إلى المزيد من التقارب وتنسيق السياسات للحفاظ على استقلاليتها وخياراتها التنموية المتلائمة مع واقعها، ومواجهة سياسات الضغط والتنمّر.
استذكار الماضي من أجل التطلع للمستقبل
في الثالث من سبتمبر المقبل، تستعد الصين لإقامة استعراض عسكري كبير، للاحتفال بالذكرى الـ٨٠ للانتصار على الفاشية. وبهذه المناسبة، ومعها ذكرى تأسيس الأمم المتحدة، فإن الصين تحث على اتخاذ تجارب التاريخ كمرآة، والحفاظ على النظرة التاريخية الصائبة تجاه الحرب العالمية الثانية، وتفادي تكرار حوادث مأساوية فظيعة، والتطلع بالوقت نفسه إلى مستقبل أفضل لشعوب الأرض. واستنادا إلى الأرضية التي قامت عليها، فإن منظمة شانغهاي للتعاون تدعو أيضا إلى التمسك بالسلام والاستقرار والتنمية والعدالة والإنصاف، والعمل بحزم لصيانة النظام الدولي القائم على مرجعية الأمم المتحدة واحترام مركزية دورها، والدفع باتجاه حوكمة عالمية أكثر عدلا وشمولاً وإنصافا. إن دول العالم المحبة للسلام والاستقرار، المتطلعة لتحقيق الخير لشعوبها، ترى ضرورة حشد الجهود والآراء لتحقيق وقفة حازمة تُطالب بضرورة احترام القانون الدولي، ومبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، ولا بدّ من رأي أكثر قوة وفعالية من دول منظمة شانغهاي للتعاون، ودول بريكس، لدفع تحقيق عالم متعدد الأطراف ينعم بالسلام والاستقرار وتكافؤ حق الكلام في الشئون التي تخص العالم، واحترام حق البشر في الحياة والعيش الكريم، والدعوة إلى نبذ المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، والعمل على كبح التدخلات المثيرة للتوترات في مناطق مختلفة بالعالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، كبح النزاعات والتوترات المستمرة منذ عقود في الشرق الأوسط، وتحقيق سلام عادل فيه.