لندن 31 يوليو 2025 (شينخوا) يدفع تصاعد معاناة المدنيين والأزمات الإنسانية في غزة القوى الأوروبية نحو الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، ما يكشف عن وجود انقسام كبير بين أوروبا والولايات المتحدة فيما يتعلق بمستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط.
تقود فرنسا هذا التوجه، بينما تُزيد بريطانيا وألمانيا الضغط على إسرائيل لاتخاذ إجراء.
في 24 يوليو، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة المقرر عقدها في سبتمبر، لتكون أول دولة من مجموعة السبع تقوم بذلك.
يشير قرار فرنسا إلى تحول في الموقف الأوروبي المتعلق بهذه القضية. وفي ضوء ذلك، أفادت صحيفة ((لوموند))، بأن نقطة التحول كانت بسبب استمرار قصف إسرائيل لغزة وعرقلتها المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ما تسبب في تفاقم المجاعة ومعاناة المدنيين.
لقد عزز فشل مفاوضات وقف إطلاق النار والمشاركة الدبلوماسية الأمريكية المحدودة والتصويت الرمزي الأخير للكنيست الإسرائيلي على ضم أجزاء من الضفة الغربية، التصورات التي تُشير إلى انهيار جهود الوساطة الدولية القائمة منذ فترة طويلة، في باريس ولندن.
وفي السياق ذاته، قال عادل باكاوان، باحث في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية، إن فرنسا تغتنم "فرصة سياسية سانحة" مع استمرار تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. وأكد أن "فرنسا تقدم رؤية بديلة".
ويرى المحللون أن هذه الخطوة جهد مدروس لضخ زخم في عملية سلام التي لطالما هيمنت عليها إسرائيل وحماس والولايات المتحدة الذين، كما يقولون، لم يُظهروا أي رغبة تُذكر في تقديم تنازلات.
وفي لندن، زادت الحكومة البريطانية الضغط على إسرائيل يوم الثلاثاء، حيث أصدر داونينغ ستريت بيانا حثّ فيه على اتخاذ إجراءات "فورية وفعّالة" لتخفيف الكارثة الإنسانية في غزة.
وفي الوقت نفسه، حذر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قائلا إنه إذا لم تتخذ إسرائيل "خطوات جوهرية" لإنهاء الأزمة في غزة، بما في ذلك تنفيذ وقف إطلاق النار ورفع الحصار والسماح باستئناف المساعدات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة ووقف خطط الضم في الضفة الغربية وإعادة الالتزام بحل الدولتين، ستعترف بريطانيا أيضًا بالدولة الفلسطينية في سبتمبر.
وأكد ستارمر أن هذه الخطوة لن تكون "مكافأة" لحماس، بل "خطوة ضرورية لإنقاذ إطار السلام الآخذ في الانهيار".
وأردف "أشعر بقلق بالغ من أن فكرة حل الدولتين تتلاشى وتبدو اليوم أبعد منالا مما كانت عليه منذ سنوات عديدة".
وجاء الإعلان البريطاني عقب ضغوط محلية متزايدة. فقد وقّع أكثر من 200 عضو في البرلمان من 9 أحزاب سياسية على رسالة إلى ستارمر ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، يحثون فيها على الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية.
وقال لامي إن الدور التاريخي لبريطانيا في وعد بلفور لعام 1917 يُحمّلها مسؤولية أخلاقية للمساعدة في الحفاظ على آفاق السلام.
وفي الوقت نفسه، حث وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، يوم الخميس، إسرائيل على معالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في غزة، وحذر من أن حجم المعاناة قد بلغ "مستويات لا يمكن تصورها". وهذا يعد إشارة أخرى إلى تنامي القلق الأوروبي.
وقال فاديفول، قبل زيارته المقررة إلى إسرائيل، إن مؤتمر الأمم المتحدة الأخير في نيويورك أظهر أن "إسرائيل تجد نفسها بشكل متزايد في موقع الأقلية".
ومقارنة ببيان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصادر بشأن الشرق الأوسط بعد زيارته التي استمرت لمدة 4 أيام إلى اسكتلندا، فإن تأييد القوى الأوروبية الأخير للدولة الفلسطينية يكشف عن تناقض حاد عبر الأطلسي بشأن فلسطين.
وفي السياق ذاته، رفض ترامب نية بريطانيا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واصفا إياها بـ "الخطيرة"، وحذر من أنها قد تعتبر "مكافأة لحماس"، وستؤدي إلى تعقيد الدبلوماسية، وتقويض جهود السلام المستقبلية.
ومع ذلك، أقرّ ترامب، في بيان هو الأول من نوعه، بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة، مؤكدا أنه طلب من إسرائيل السماح بدخول المواد الغذائية إلى القطاع.
وعلى الرغم من أن العديد من الحكومات الأوروبية ترى الاعتراف بالدولة الفلسطينية أداة دبلوماسية، إلا أن الولايات المتحدة ثابتة على موقفها الراسخ الذي يدعم أن إقامة الدولة الفلسطينية لن يتم إلا من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ففي أبريل 2024، استخدمت إدارة بايدن في مجلس الأمن حق النقض (فيتو) ضد طلب فلسطيني للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
ومع ذلك، قال خبراء إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية فقط لن يُحدث تغييرا ذا معنى.
وفي السياق ذاته، قال جان بول شانيولو، الرئيس الفخري لمعهد أبحاث ودراسات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، إن فرنسا "حاصرت نفسها" بتقديم مطالب "لا تملك القدرة على تنفيذها".
وفي الوقت نفسه، أفادت صحيفة ((فاينانشيال تايمز)) يوم الخميس بأنه رغم أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو قوضت بشكل ممنهج جدوى حل الدولتين إلا أنه بالنسبة للكثيرين في أوروبا، لا يزال حل الدولتين السبيل الوحيد الذي يقدم العدالة للفلسطينيين والأمن طويل الأمد لإسرائيل.