عُقد مؤتمر دولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق "حل الدولتين" في مقر الأمم المتحدة، في الفترة من 28 إلى 30 يوليو، بالتوقيت المحلي، بحضور ممثلي 125 دولة ومنطقة، مما عزز التوافق الدولي بشأن القضية الفلسطينية، وأصدر دعوة قوية لإيجاد حل سياسي لـ"حل الدولتين".
وإن القضية الجوهرية للسلام في الشرق الأوسط هي تطبيق "حل الدولتين"، لكن "الوقت ينفد". وقد دعا أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى اتخاذ الخطوات الضرورية والعاجلة والملموسة التي لا رجعة فيها لجعل "حل الدولتين" واقعًا ملموسًا.
منذ فترة، تتصاعد المخاوف الأمنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تلك المنطقة الممتدة على خمسة بحار وثلاث قارات، مما أثار قلقًا دوليًا عميقًا بشأن الوضع الأمني الإقليمي. وبدءًا من تجدد الصراع في قطاع غزة، الذي أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى وكارثة إنسانية غير مسبوقة، مرورًا بهجمات إسرائيل المستمرة على سوريا ولبنان، محتفظةً بوجود عسكري غير شرعي ومفاقمة للتوتر، ووصولًا إلى هجمات إسرائيل على الأراضي الإيرانية، التي أثارت ردًا عسكريًا إيرانيًا انتقاميًا، وأثّرت بشدة على البنية الأمنية الإقليمية والنظام الدولي لمنع الانتشار النووي... إن التصعيد المتكرر للصراعات والتناقضات، إلى جانب الاستخدام المتهور للضربات العسكرية والمواجهات المباشرة، قد يؤدي إلى خروج الوضع عن السيطرة، بل وربما إلى صراع إقليمي أوسع. وأشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى خطورة ممارسة إثارة التوترات الإقليمية لحماية الأمن. ويجب على المجتمع الدولي أن يدرك بوضوح أن التدخل العسكري لن يؤدي إلا إلى تفاقم العجز الأمني، وأن الاستخدام العشوائي للقوة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الصراع، وأن الحل السياسي وحده هو الكفيل بكسر حلقة العنف في الشرق الأوسط.
يعتقد مقال نُشر على موقع "مجلة تايم" الإلكتروني، أن الشرق الأوسط يدخل حقبة جديدة، يسودها بشكل متزايد افتراض أن "القوة تصنع الحق". هذه النظرة، التي تدعو إلى "القوة أولاً، ثم السلام لاحقاً"، متجذرة في منطق القوة. وإن وضع عقلية المواجهة للردع القائم على القوة فوق القواعد والمبادئ الدولية أشبه بإطفاء النار بالزيت، مما يزيد من خطر الحرب. كما أن القوة لا تحقق السلام الحقيقي، والحكم على الصواب والخطأ بناءً على القوة وحدها سيُدمر القواعد والمبادئ الدولية.
لا يمكن للعالم أن ينعم بالسلام، بدون استقرار في الشرق الأوسط. ولا يمكن للشرق الأوسط أن يعيش الصراع إلى الابد، فشعوبه تستحق مستقبلًا خاليًا من المخاوف.
لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية، جوهر الصراع الإقليمي
لا ينبغي للتوترات الحالية أن تُصرف انتباه المجتمع الدولي عنها. ولا يمكن للكارثة الإنسانية في غزة أن تستمر. يجب تلبية المطالب المشروعة للشعوب العربية في أسرع وقت ممكن، والاستجابة لأصوات العالم الإسلامي العادلة. وإن "حل الدولتين" هو السبيل الواقعي الوحيد لحل القضية الفلسطينية. ولن يُمحى الأسباب الجذرية للتوتر الإقليمي إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل في نهاية المطاف. قال فليمون يانغ، رئيس الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه إذا لم يتم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد من خلال "حل الدولتين"، فلن يمكن تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في فلسطين والشرق الأوسط.
يجب أن تعود القضية النووية الإيرانية إلى مسار الحوار
كان من الممكن أن تُشكل القضية النووية الإيرانية نموذجًا يُحتذى به لحل النزاعات الدولية عبر الحوار والتفاوض. إلا أن الانسحاب الأحادي لبعض القوى الكبرى من الاتفاق النووي الإيراني وممارسة ضغوط شديدة على إيران حالا في النهاية دون فتح باب السلام، وعاد الوضع إلى المواجهة. ورغم توصل إسرائيل وإيران إلى وقف إطلاق النار، إلا أن القضية لا تزال بعيدة عن الحل، ولا يمكن تجاهل هشاشتها. وقد أعادت بعض الدول الغربية التهديد بفرض عقوبات، مما فاقم التوترات. لقد هيمن الغرب طويلا على النظام الأمني العالمي، لكنه اعتمد معايير مزدوجة قائمة على مصالحه ومصالح حلفائه، متجاهلًا أهمية بناء "أمن مشترك". ويعتقد المحللون أن الجمود الذي أصاب القضية النووية الإيرانية يعكس فشل الحوكمة الأمنية الغربية.
يجب تطبيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بفعالية
يجب على جميع أطراف النزاع الالتزام الصارم بالتزاماتها بوقف إطلاق النار بمسؤولية عالية، والامتناع عن أي أعمال استفزازية لمنع تصعيد الوضع بشكل متكرر، والحد بحزم من خطر امتداد الحرب، وتهيئة بيئة مستقرة للحوار اللاحق، والتوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق مقبول من جميع الأطراف. وينبغي مراعاة التزام إيران بعدم تطوير أسلحة نووية، واحترام حقها في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما ينبغي للمجتمع الدولي أن يتعاون لتهيئة ظروف مواتية للمفاوضات، واستعادة الاستقرار الإقليمي تدريجيًا.
ضمان سلامة المدنيين في غزة أمرٌ بالغ الأهمية
استمر الصراع في غزة لمدة 21 شهرًا، وتدهور الوضع الإنساني إلى مستوى غير مسبوق. وصرح توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، في بيان بشأن الوضع في غزة الصادر مؤخرًا: "الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مُروِّعة"، مضيفًا، أن ثلث سكان غزة يعانون من انعدام الطعام منذ أيام. ويجب عدم تجاوز الخط الأحمر لحماية المدنيين في النزاعات العسكرية، والاستخدام العشوائي للقوة أمرٌ غير مقبول. وينبغي على جميع أطراف النزاع الالتزام الصارم بالقانون الدولي، وإعطاء الأولوية لسلامة السكان، والامتناع عن شنّ هجمات على الأهداف المدنية، وتسهيل إجلاء المدنيين. كما ينبغي على المجتمع الدولي، من خلال وكالات الأمم المتحدة الإنسانية، زيادة مساعداته للمناطق المتضررة من النزاع في الشرق الأوسط لتخفيف المعاناة التي تفاقمت بسبب الحرب. وينبغي للدول ذات التأثير الكبير على الأطراف المعنية أن تتصرف بحيادية ومسؤولية، وأن تؤدي دورًا إيجابيًا وبنّاءً بحق.
السلام يكمن تحت أقدامنا
إن التواصل والحوار هما الطريق الصحيح لتحقيق سلام دائم. ويقف الشرق الأوسط عند مفترق طرق السلام والصراع، ويتحدى مستقبله ضمير جميع الأطراف ومسؤوليتهم. وأن موقف الصين ظل ثابتاً تجاه قضية الشرق الأوسط خلال العقود الماضية: التمسك بالإنصاف والعدالة والدعوة إلى الأمن المشترك. وينبغي على المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى المؤثرة، التخلي عن الحسابات الجيوسياسية واتخاذ إجراءات ملموسة لدعم الأمم المتحدة في دورها التنسيقي، وتهيئة الظروف للسلام، وبناء هيكل أمني إقليمي متوازن ومنظم بشكل مشترك.