بكين أول أغسطس 2025 (شينخوا) يعيش تشانغ شنغ تشيوان في العاصمة الصينية بكين، لكنه يحب تناول طعاما شهيرا في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم بشمال غربي الصين، وهو خبز "نانغ"، فهذه العادة اكتسبها خلال عمله لوقت طويل في ولاية خوتان في منطقة شينجيانغ، والتي يزورها تشانغ باعتباره نائب مدير معهد تربية القمح الهجين التابع لأكاديمية بكين للعلوم الزراعية والغابات، أكثر من عشر مرات سنويا للقيام بأعمال تحسين أنواع القمح المحلية، وقد تجاوزت مسافة رحلاته أكثر من 100 ألف كيلومتر.
وذكر تشانغ أنه كان قد سافر إلى محافظة مويوي في خوتان في سبتمبر 2011، بدعوة من قيادة بكين لمساعدة شينجيانغ، حيث ترك المناخ المحلي انطباعا عميقا عليه خلال زيارته الأولى، حيث كان معدل هطول الأمطار السنوي في الولاية لا يتجاوز 50 ملم، وهو ما يعادل كمية مرة واحدة فقط من الأمطار الغزيرة في بكين، بينما كان معدل التبخر السنوي يزيد عن 2000 ملم. وأضاف تشانغ "القمح هو الغذاء الرئيسي للسكان المحليين، لكن إنتاجه لا يتجاوز 300 كيلوغرام لكل مو (هكتار يساوي 15 مو)، أي أقل بثلث أو حتى النصف من المناطق الغنية بإنتاج القمح في البلاد".
اكتشف تشانغ أن سبب انخفاض إنتاج القمح في خوتان، إلى جانب الظروف الطبيعية، يرتبط أيضا بأنواع القمح، إذ أن القمح المزروع محليا هو من الأنواع القديمة التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي. ومن ناحية أخرى، طلب السكان المحليون إدخال نوع من القمح عالي الإنتاج ومناسب للزراعة تحت الأشجار ومقاوم للظل.
وقد أُسندت هذه المهمة الشاقة إلى تشانغ، الذي أدرك أن خوتان ذات الكثافة السكانية العالية ومساحات الأراضي الزراعية المحدودة تحتاج إلى حل مبتكر، وقال إن الدخل المنخفض للسكان المحليين والتكاليف المرتفعة لنقل الغذاء من خارج المنطقة دفعت الحاجة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وفي هذا السياق، قال تشانغ إن الصين دولة زراعية كبيرة، ولا تفتقر إلى أنواع القمح عالية الجودة، لكن انتقال الأنواع الممتازة مباشرة إلى خوتان لا يعني بالضرورة أنها مناسبة للظروف المحلية، حيث تتميز خوتان الواقعة في المنطقة الجنوبية في شينجيانغ بمناخ جاف، وتفاوت كبير في درجات الحرارة بين الليل والنهار وتربة مالحة ونظام ري زراعي أقل تطورا، لذا فإن بعض أنواع القمح عالية الجودة التي يتم ترويجها في المناطق الداخلية لا تعطي نتائج جيدة في شينجيانغ. علاوة على ذلك، ونظرا لقلة الأراضي الصالحة للزراعة، هناك حاجة ملحة في المنطقة الجنوبية في شينجيانغ إلى "حصاد مزدوج من الحبوب والأعلاف". ولا يجب فقط إنتاج كميات كبيرة من الحبوب، بل يجب أيضا استغلال قش القمح الطويل المقطوع لتغذية الأبقار والأغنام.
واستطرد تشانغ قائلا "لذلك، علينا أن نطور نوعا من القمح عالي الإنتاجية يناسب الظروف الطبيعية المحلية في خوتان، ويلبي احتياجات السكان المحليين"، مشيرا إلى أن تطوير نوع جديد من القمح في المناطق الداخلية التي تتمتع بالتكنولوجيات المتطورة يستغرق دائما ما بين 8 إلى 10 سنوات، ولكن نفس العمل في خوتان استغرق 14 عاما.
بدأ العمل بالمقارنة بين الأصناف المختلفة، حيث لا تكفي غزارة الإنتاج وحدها، فالنبات القصير مثلا لا ينتج ما يكفي من القش، كما تُستبعد الأصناف التي لا تتحمل الجفاف والبرد والملوحة.
ثم أتت مرحلة التهجين، حيث قام تشانغ وفريقه بإدخال مئات الأصناف من بكين ودمجها مع الأنواع المحلية لتطوير صنف يناسب الظروف الفريدة للمنطقة، قائلا "هدفنا هو أن تكون الأنواع الجديدة عالية الإنتاجية وقادرة على التكيف مع بيئة جنوبي شينجيانغ".
بعد المقارنة والتحسين، يتم اختيار الأنواع الممتازة، وهذه هي المهمة التي تستغرق أطول وقت بين جميع عمليات تربية أنواع القمح الجديدة، لذلك كانت سببا في كثرة رحلات تشانغ إلى شينجيانغ، إذ سافر إلى هناك عشر مرات في النصف الأول من العام فقط، محتفظا بحقيبته في المكتب استعدادا لأي رحلة طارئة.
وتتراوح مدة رحلات تشانغ إلى شينجيانغ بين يومين وشهر. وفي الآونة الأخيرة، سافر تشانغ لمدة 3 أيام فقط ولكنه قطع مسافة 2700 كيلومتر بالسيارة، عبر صحراء تاكلامكان، لزيارة خوتان وكاشغر وأكسو وغيرها من الأماكن لتفقد نمو القمح. وخلال هذه الأيام الثلاثة، لم ينل قسطا من الراحة تقريبا. وعندما سئل عن سبب هذا الجدول الشاق، أجاب تشانغ "موسم الزراعة لا ينتظر".
وتحت ضغط الوقت، اعتاد تشانغ شراء خبز "نانغ" وزجاجات مياه فور وصوله إلى خوتان، ليتناولها كوجبة سريعة خلال تنقلاته. وعلى مدار 14 عاما، واصل جهوده الدؤوبة بين بكين وشينجيانغ، حتى بلغ الأمر سفره أحيانا أربع مرات في الشهر.
بفضل دعم بكين لمشروع المساعدة لشينجيانغ وجهود تشانغ الدؤوبة، حققت أعمال تربية أنواع القمح نتائج مبهرة. وفي عام 2023، أشرف تشانغ على إنشاء قاعدة تربية القمح الخاصة ببرنامج بكين للتكنولوجيا الفضائية لمساعدة شينجيانغ، لتصبح أول منصة بحثية للقمح تنشئها مؤسسة بحثية خارج شينجيانغ في المنطقة الجنوبية. وحقق نوع القمح الجديد الذي طوره فريق تشانغ، "جينغتسيهاو"، حصادا وفيرا هذا العام، حيث بلغ متوسط المحصول حوالي 700 كيلوغرام لكل مو، ووصل أعلى محصول إلى 760 كيلوغراما، وهي نتائج غير مسبوقة في المنطقة.
وحظيت تجربة زراعة نوع القمح الجديد "جينغتسيهاو" باهتمام كبير من جميع الأطراف في عموم منطقة شينجيانغ. وقد وجهت إلى تشانغ دعوات من جميع الأطراف ذات الصلة في المنطقة الجنوبية في شينجيانغ وبعض المناطق في شمالي شينجيانغ. وقال تشانغ " كنا نحتاج إلى إقناع القرويين، أما اليوم فهم يأتون إلينا بأنفسهم لزراعة أنواع القمح من بكين".
وقال تشانغ بحماس: "نحن على يقين تام بأن خوتان قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة، وأن تصبح منطقة غنية بالغذاء!"