بقلم / إيمان حمود الشمري، صحفية سعودية
في أقصى غرب الصين تقع منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، واحدة من أكبر المناطق الإدارية في البلاد من حيث المساحة، زرناها لمدة ٦ أيام برحلة احتوت على جدول مزدحم كي نستطيع على الأقل أن نكوّن صورة مبدئية عنها، ولكن ذلك المزيج الفريد من الثقافات، والملامح، واللغات، والأزياء، يحتاج لمساحة كبيرة من وقتك وذاكرتك، كي تستطيع أن تدون كل ما تشاهد سواء بلقطة أو معلومة تسجلها في ملاحظاتك، ثراء فاخر من العمق التاريخي والتعدد العرقي في تلك المدينة التي تخشى أن يفوتك شيئاً منها.
منذ أن تحط قدماك في المطار وقبل أن تدخل حتى المدينة ستشعر بالفرق، ستتفاجأ باللوحات الإرشادية تحمل أحرفاً غير الصينية التي اعتدت عليها!! يخيل إليك من بعيد أنها أحرفاً عربية، ولكنها ليست كذلك، قد تفاجئك أيضاً عروض استعراضية راقصة داخل المطار بأزياء مختلفة!! أزياء لم أشاهدها طوال فترة إقامتي في بكين، أدركت أن هناك الكثير من الأشياء المثيرة في انتظاري، لن أستطيع أن أغطيها في زيارة واحدة، فتلك المدينة المثيرة للإعجاب والدهشة في آن واحد تحتاج لأكثر من زيارة وأكثر من تجربة كي أرتوي منها.
(أرومتشي) Urumqi عاصمة شينجيانغ وأول محطة انطلقنا منها وزرنا فيها البازار الدولي الكبير، والذي كان عبارة عن سوق مفتوح تعلو باحاته مآذن المساجد، مما يعطي تلك المدينة طابعاً إسلامياً واضحاً منذ الوهلة الأولى، حيث يشكل الإسلام جزءً أساسياً من حياة العديد من سكانها، تصطف بين أروقة البازار محلات تبيع المنتجات الشهيرة في أرومتشي كالزبيب المجفف والمكسرات، وأنواع من منتجات الحليب والألبان بمذاقات غريبة لم أجربها من قبل، مروراً بمعرض الخبز الذي يشبه (التميس) ويجمع أشكالاً فنية مختلفة حتى تشك أنه ليس حقيقياً!! ليلة واحدة لاتكفي ولكن ذلك ماحدث!!لأننا توجهنا لثاني يوم مباشرة إلى توموشوك، تلك الصحراء التي تشبه التضاريس العربية، حيث المتاحف والمعارض وآثار المعابد لأسرة تانغ، واختتمنا الزيارة بمناظر لبحيرة يونغان، لننتقل بعدها لمدينة ككدالا، وكأن الختام يأبى إلا إن يكون مسكاً مع تلك المدينة الخضراء الساحرة التي تشتهر بحقول الخزامى، وتُعتبر مسقط رأس الخزامى.
لا أستطيع أن أصف شينجيانغ وتفاصيل رحلتنا بهذه الزاوية الضيقة وتلك السطور القليلة لأنني سأبخس حقها، ولكن أستطيع أن أقول أنها أرض التنوع الثقافي والطبيعة الخلابة، أستطيع أن أقول أنها أرض القوميات التي تعيش بروح أفراد الأسرة الواحدة التي يحب بعضهم البعض، أعترف بكل إنصاف وعدل أننا حظينا باستقبال راقي وكرم ضيافة كبير من قبل قادة الفيلق الذين أعطونا مساحة حتى للاستفسار والأسئلة….
(الفيلق) تلك البُنية التي استطاعت أن تزرع الأمن والاستقرار وتجعل منطقة شينجيانغ موطناً للعرقيات يعلمك مفهوم التعايش، إذ أن أهاليها بمختلف عاداتهم وتقاليدهم وقومياتهم يعيشون تحت سقف واحد من الوئام والانسجام، وبدلاً من أن تكون تلك المنطقة منطقة نزاع وخلاف، أصبحت وجهة مثالية للنمو، وشهدت تطوراً اقتصادياً كبيراً مدعوماً من الحكومة ضمن مبادرة (الحزام والطريق)، حيث يدير (فيلق البناء والتعمير) مزارع ومصانع وشركات ضخمة، ويشرف على تطوير البنية التحتية، واستطاع أن يدمج المنطقة سياسياً وعرقياً لتصبح قوة مزدوجة ومثالاً للتنمية الاستقرار.