الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

تعليق: قمة آسيان والصين ومجلس التعاون الخليجي في كوالالمبور .. حكمة شرقية وخيارا واقعيا للعبة محصلتها غير صفرية

بدعوة من أنور إبراهيم، رئيس الوزراء لماليزيا، التي تتولى الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا هذا العام، سيحضر رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، قمة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين ومجلس التعاون الخليجي في كوالالمبور، ماليزيا، في الفترة من 26 إلى 28 مايو الجاري. وقد حظيت القمة الثلاثية التي تعقد لأول مرة باهتمام واسع من قبل العالم الخارجي. وكما هو الحال مع الصين، تعد رابطة دول جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي أعضاء مهمين في الاقتصادات الناشئة في آسيا والجنوب العالمي، كما أنها شركاء مهمون في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق. وإن هذه القمة الثلاثية، التي تمتد جغرافيا عبر شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وغرب آسيا، تبشر باتجاه جديد للتنمية في الجنوب العالمي وتمثل الرغبة في المزيد من التكامل الإقليمي.

رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين ودول مجلس التعاون الخليجي هي ثلاثة كيانات اقتصادية كبرى تتمتع بنفوذ كبير في آسيا. وتعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقفزت دول الآسيان العشر إلى المركز الخامس من حيث الحجم بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي واليابان، كما تحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الأولى عالمياً من حيث احتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ثلاثة أضعاف المتوسط ​​العالمي، وتمثل صناديق الثروة السيادية التابعة لهذه الدول ثلث إجمالي أصول أكبر 100 صندوق ثروة سيادية في العالم. ويقترب الناتج المحلي الإجمالي للدول المشاركة في القمة الثلاثية من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يغطي سوقاً كبيرة يبلغ عدد سكانها أكثر من 2.1 مليار نسمة. وبالنظر إلى النطاق الاقتصادي وحده، فإن إنشاء آلية تعاون ثلاثية بين رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين ودول مجلس التعاون الخليجي سوف يؤدي حتما إلى إطلاق المزيد من إمكانات التعاون وحقن الاستقرار في الاقتصاد العالمي.

تستند القمة الثلاثية بين رابطة آسيان والصين ومجلس التعاون الخليجي إلى أسس تاريخية وراهنة عميقة وهي نتيجة طبيعية. وقد ربط طريق الحرير القديم بين التبادلات التجارية والثقافية المبكرة بين الأطراف الثلاثة، وإن ماليزيا وإندونيسيا من دول رابطة آسيان دول إسلامية مثل أعضاء مجلس التعاون الخليجي، حافظت منذ فترة طويلة على علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة بعضها البعض. وفي العقود الأخيرة، ساهمت الصين بشكل مستمر في توفير طاقة إيجابية لتعزيز التماسك الإقليمي من خلال سياساتها الدبلوماسية تجاه جيرانها القائمة على حسن الجوار والأمن والازدهار المتبادل ومبادرة الحزام والطريق. وفي الوقت الحالي، تعد الصين أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، كما تعد الصين ورابطة آسيان أكبر شركاء تجاريين لبعضهما البعض. في يوم 20 مايو، أُعلن عن اكتمال المفاوضات بشأن منطقة التجارة الحرة 3.0 بين الصين ورابطة آسيان، وقد انطلقت المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في عام 2004، وتم عقد 11 جولة حتى الآن. لقد أرسى التعاون المعمق على مدى العقود الماضية أساسًا متينًا من الثقة المتبادلة لعقد القمة الثلاثية.

اليوم، أنشأت الأطراف الثلاثة بالفعل آليات للتعاون الثنائي أو متعدد الأطراف على مختلف المستويات، وهناك أيضا حاجة عملية لمزيد من تعميق التعاون. وتتقاسم الصين، بقدراتها الصناعية التحويلية القوية وقدراتها في الابتكار التكنولوجي، ورابطة آسيان بمواردها الطبيعية الغنية وتركيبتها السكانية الشابة، ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعمل على تسريع تنويع هياكلها الاقتصادية والاستثمار الأجنبي، مساحة واسعة للتعاون بفضل التكامل الاقتصادي القوي فيما بينها. ومن المتوقع أن يعزز عقد القمة الثلاثية التنسيق الاستراتيجي والارتباط الوثيق بين مبادرة الحزام والطريق، والخطة الرئيسية للاتصال بين دول رابطة دول جنوب شرق آسيا 2025، و"رؤية 2030" لمجلس التعاون الخليجي، وتشكيل نمط جديد من "الربط البري والبحري والمساعدة المتبادلة بين الشرق والغرب". ويمكن القول إن القمة الثلاثية تشكل اتجاهاً حتميا في ظل موجة التكامل الإقليمي، كما أنها تشكل حاشية حية للتعاون المتنوع والمتعمق بشكل متزايد بين الدول الآسيوية.

وفي عالم اليوم، الذي يكتنفه الأحادية والحمائية، تواجه سلاسل الإنتاج والتوريد العالمية في كثير من الأحيان خطر "انقطاع السلسلة". وكانت الدول الآسيوية، باعتبارها مراكز للتصنيع والتجارة، أول من تضرر. وأصبحت الصين ودول الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر وعياً بأهمية توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري المتنوع وتقليل الاعتماد على السوق الواحدة، وهو القوة الدافعة الكامنة لمزيد من التعاون بين الأطراف الثلاثة. وقد بعث انعقاد القمة الثلاثية رسالة قوية حول الحفاظ على التجارة الحرة والتعاون المفتوح، كما أضاف اليقين بشأن استقرار سلسلة الإنتاج والتوريد العالمية والحفاظ على التشغيل الصحي للاقتصاد الإقليمي والعالمي.

لقد أسست هذه القمة منصة استراتيجية للتكامل الآسيوي، كما ستصبح أرضًا اختبارية للتعاون عبر الإقليمي، مما يوفر خطة عمل للتعاون الاقتصادي العالمي الأوسع. وتتوافق الأطراف الثلاثة بشكل واسع بشأن الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين، وتدعو جميعها إلى التسوية السلمية للنزاعات الإقليمية وتعارض الهيمنة. ومن منظور التعاون بين بلدان الجنوب، فإن التكاملية وعدم الحصرية والأولوية التنموية لنموذج التعاون الثلاثي بين رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين ومجلس التعاون الخليجي، لها أيضا أهمية مرجعية واسعة.

وفي خضم الصخب الداعي إلى "تخفيف المخاطر" في الاقتصاد العالمي، وفي عصر تظهر فيه الهيمنة الأحادية الجانب تدريجيا علامات التعب، قدمت قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين ومجلس التعاون الخليجي للعالم في الوقت المناسب حكمة شرقية وخيارا واقعيا للعبة محصلتها غير صفرية. وهذا يبعث بإشارة واضحة إلى العالم: إن بلدان الجنوب العالمي لم تعد مجرد متلقين سلبيين للنظام الدولي، بل أصبحت بناة ومصلحين نشطين. وإن هذا النظام لا يرتكز على الردع بالقوة، بل على عوائد التنمية، وإنها لا تعتمد على سياسات المعسكر، بل تتغذى على التعاون المربح للجميع.

صور ساخنة