مع دخول الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية، تظهر مشاكل جديدة تثير نقاشات ساخنة. وفي الآونة الأخيرة، لفتت حادثتان الاهتمام في الصين وأثارتا جدالا اجتماعيا واسعا. تتمثل الحادثة الأولى، في أن شخصا كفيفا حاول التقدّم للحصول على بطاقة هاتف محمول في إحدى قاعات خدمة العملاء التابعة لأحد مزوّدي الاتصالات. غير أنه لم يتمكن من تلبية شرط "فتح العينين" لإتمام عملية التحقق بالتعرف على الوجه، وهو ما جعله مضطرًا لإصدار البطاقة باسم أحد أقاربه. أما الحادثة الثانية، فتعلّق بأحد طلاب الجامعات، كان قد أرسل بحثًا أكاديميا أصليا إلى نظام كشف الانتحال الأكاديمي، فأظهرت النتيجة أن "معدل الذكاء الاصطناعي" في النص مرتفع للغاية. وقد قام بعض مستخدمي الإنترنت بتجربة إدخال نصوص أدبية كلاسيكية، مثل مقدمة "جناح الأمير تنغ"، في النظام ذاته، لتظهر النتيجة أنها أيضا غير مؤهلة.
إذا جمعنا بين هاتين الحالتين، يمكن القول إن الأولى تعكس كيف أن الاستخدام غير المناسب للتكنولوجيا قد يتسبب في إرباك حياة الناس وتعطيل أعمالهم. بينما تعكس الحالة الثانية أن بعض هذه التقنيات لا تزال تفتقر إلى الكمال، وقد تشوبها مشكلات الدقّة أثناء الاستخدام.
إن التطور السريع الذي تشهده التكنولوجيا الجديدة هو أمر يستحق الإشادة، كما أنه يدفعنا إلى التفكير النقدي أيضا. ذلك أن هذه التقنيات، سواء في بنيتها أو في أسلوب توظيفها، لا تخلو من العيوب. لكن عند الترويج لاستخدامها، ينبغي تجنّب حالتين مقلقتين.
أولا،علينا أن نكون على وعي دائم بأن بعض التقنيات الجديدة، رغم حداثتها، قد تُسبب عوائق غير متوقعة للمستخدمين. فعلى سبيل المثال، حين لم تكن تقنية التعرّف على الوجه منتشرة، كان باستطاعة المكفوفين استخراج بطاقات الهاتف المحمول بسهولة. أما الآن، ومع اعتماد هذا النمط من التحقق، أصبح كثير من المكفوفين عاجزين عن القيام بهذه الخطوة بأنفسهم. ومن الناحية القانونية، ينصّ القانون على أن مسح الوجه لا يجوز أن يُشترط كخدمة أساسية دون موافقة صريحة من الشخص المعني. ورغم وضوح هذه المبادئ القانونية، إلا أن سوء استخدام التقنيات الحديثة لا يزال يُثقل كاهل بعض الفئات. ومثال آخر على هذه الظاهرة هو أنظمة خدمة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي يشتكي منها كثير من المستخدمين، حيث يصعب عليهم حل مشكلاتهم عبر تلك الأنظمة، بل وفي أحيان كثيرة، تصبح هذه الأنظمة مصدرًا للمشكلة. فلا يمكن للتكنولوجيا الجديدة أن تتحول إلى أداة فعالة في تحسين الأداء إلا إذا أخذت في الاعتبار تجربة المستخدم وراعت راحته، بعيدا عن تطبيقها لمجرد التطبيق.
ثانيا، التكنولوجيا ليست قوة خارقة ولا كيانا مطلقا، غير أن البعض يتعامل معها كما لو كانت قادرة على فعل كل شيء. فهناك من يعتمد اعتمادا كليا على نماذج الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات والملخصات، وآخرون يعتقدون أنه بإلإمكان الوثوق الكامل بتلك الأنظمة حتى في ما يتعلق بوصف الأدوية والعلاج. بل وصل الأمر إلى أن بعض الأشخاص باتوا يتركون قيادة السيارة للنظام المساعد ويكتفون بدور "السائق المتفرج". علينا أن نُدرك أن هذه التقنيات، مهما بلغت من تقدم، ما هي إلا أدوات أنتجها البشر، ويظل دور الإنسان محوريا في توجيهها. وإذا ما انسقنا وراء التمجيد الأعمى لها، بل و"تأليهها"، فلا بد أن تتولد عن ذلك مخاطر حقيقية.
في الوقت الراهن، لا تزال كثير من التقنيات الحديثة في مراحلها المبكرة من التطور. ومدى سهولة استخدامها وفاعليتها العملية يعتمد بشكل كبير على طريقة استخدامها ودرجة تطورها العميق. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تغيير بسيط في صياغة التعليمات المُعطاة لنظام ذكاء اصطناعي إلى اختلاف كبير في جودة المخرجات. كما أن إمكانية تطبيق نموذج ذكاء اصطناعي كبير في مجال صناعي معين تعتمد على مدى دمجه في سيناريوهات واقعية من خلال التعلم العميق والتدريب المتخصص، مما يؤدي إلى تحسين الخوارزميات. وهذا كله يدل على أن العوامل البشرية لا تزال تلعب الدور الأساسي في توجيه ونشر هذه التكنولوجيا.
وإذا نسينا هذه الحقيقة، وسمحنا لتقنيات لم تكتمل نضوجها بعد أن تتحكم في تفاصيل حياتنا، فإن النتيجة قد تكون كارثية. أما في مجال الخدمات العامة، فينبغي أن يكون الهدف الأول من استخدام التكنولوجيا الحديثة هو التسهيل على الناس، وليس تعقيد الأمور أو خلق صعوبات إضافية.