الصفحة الرئيسية >> الأعمال والتجارة

تقرير: المصنّعون الألمان يعانون تحت وطأة التعريفات الأمريكية وسط تراجع الثقة العالمية

/مصدر: شينخوا/   2025:05:09.19:48

برلين 9 مايو 2025 (شينخوا) يتعرض قطاع التصنيع في ألمانيا، الذي لطالما كان حجر الزاوية في أكبر اقتصاد في أوروبا، لهزة قوية جراء موجة جديدة من التعريفات الجمركية الأمريكية، حيث دقّ مصدرون من مؤسسات صغيرة ومتوسطة ناقوس الخطر بشأن ارتفاع التكاليف وتقلّص الهوامش الربحية وتزايد حالة عدم اليقين.

وفي شركة ((تورنادو أنتريبشتخنيك)) المحدودة، وهي شركة متوسطة الحجم متخصصة في تصنيع علب التروس ويقع مقرها شمالي برلين، لا تزال خطوط الإنتاج تعمل بشكل نشط. وفي عام 2024، شحنت الشركة 160 ألف وحدة علبة تروس مخصصة، وذهب نحو 15 بالمئة منها إلى الولايات المتحدة. إلا أن الزيادات الأخيرة في التعريفات الجمركية عطّلت هذا التدفق، إذ رفعت التكاليف العابرة للحدود وعرقلت تخطيط الاستثمار.

وقال المدير العام للشركة نوربرت مينزينغ: "لا يمكننا ببساطة أن نتحمل هذه التكاليف إلى ما لا نهاية"، مشيرا إلى أن الشركة اضطرت إلى تحميل بعض العبء على المستهلكين. وأضاف بقوله: "كنا نخطط للنمو في السوق الأمريكية، لكننا الآن نسير في الاتجاه المعاكس".

وعلى الرغم من أن الشركة تمتلك فرعا لها في الولايات المتحدة، فإن العديد من المكونات الأساسية لمنتجاتها قد خضعت لتعريفات جمركية حادة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في التكاليف الإجمالية للإنتاج. وقد جرى تعليق خطط توسع الشركة هناك.

وأوضح مينزينغ: "نظرا للتحولات غير المتوقعة في السياسة التجارية الأمريكية، فإننا ندرس تقليص عملياتنا في الولايات المتحدة وإعادة تركيز استثماراتنا محليا".

وتُظهر هذه المحنة التي تعاني منها شركة "تورنادو" حالة قلق أوسع بين الشركات المصنعة الألمانية، حيث يرى كثيرون أن السياسات التجارية المتقلبة تمثل تهديدا كبيرا للاستقرار. وقد أضافت التعريفات الجمركية الأحدث، التي وصفتها إدارة ترامب بأنها "متبادلة"، احتكاكا جديدا إلى سلاسل الإمداد العابرة للأطلسي التي ظلت قائمة منذ فترة طويلة. وبينما تهدف هذه التعريفات إلى معالجة اختلالات الميزان التجاري، فإنها قد زادت في الواقع من حالة عدم اليقين وقلّلت من شهية الاستثمار، حسبما أفادت الشركات الألمانية.

-- تقلص الهوامش الربحية وإرجاء النمو

لا يزال الاقتصاد الألماني، الذي يعتمد إلى حد كبير على التصدير، شديد التأثر بالصدمات الخارجية. فبينما تتمتع شركات صناعية عملاقة مثل "فولكسفاغن" و"مرسيدس-بنز" بالمرونة في نقل الإنتاج عبر مواقعها العالمية، فإن شركات التصنيع الأصغر مثل "تورنادو" لا تملك سوى خيارات محدودة لاستيعاب الصدمات.

وتمتد المخاوف إلى قلب التصنيع في ألمانيا. فالبلاد تحتضن منظومة ضخمة من "الأبطال الخفيين" -- وهي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتميز بالكفاءة العالية في أسواق متخصصة على الصعيد العالمي. وقد ازدهرت هذه الشركات بفضل الهندسة الدقيقة، والتخطيط الاستراتيجي طويل الأجل، وسلاسل الإمداد الموثوقة العابرة للحدود.

وبالنسبة للعديد من هذه الشركات، فإن الزيادات الهائلة في التعريفات الجمركية الأمريكية، إلى جانب السياسات التجارية غير المتوقعة بشكل متزايد، لا تؤثر فقط على الربحية -- بل تهز أسس أنظمة الإنتاج والتوريد العالمية التي تعتمد عليها هذه الشركات من أجل الحفاظ على القدرة التنافسية.

وقال هيرمان سيمون، الخبير الاقتصادي الذي صاغ مصطلح "الأبطال الخفيين"، إن التعريفات الجمركية في شكلها الحديث لم تعد مجرد آليات تسعير، بل أصبحت عناصر مسببة للاضطراب الهيكلي. وأوضح في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن: "سلاسل الإمداد متشابكة بإحكام لدرجة أن أي اضطراب طفيف بها يمكن أن يُحدث تأثيرا مضاعفا بعيد المدى".

وحذّر سيمون من أن عدم اليقين، بالنسبة للشركات التي تأسست على الثقة والاستقرار والارتباطية العالمية، يُعد أكثر إضرارا من القوانين التنظيمية.

-- تآكل الثقة

تؤكد أحدث البيانات تصاعد القلق. ففي أبريل، أفاد 28.3 بالمئة من الشركات الألمانية التي شملها مسح أجراه معهد "آيفو" بتدهور أوضاع العمل، وهي أعلى نسبة منذ أواخر عام 2022، حيث صُنفت السياسة التجارية الأمريكية كأكبر خطر خارجي.

وفي الشهر نفسه، خفضت الحكومة الفيدرالية الألمانية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى الصفر، بعد انكماشات اقتصادية في عامي 2023 و2024. وإذا ثبتت هذه التوقعات، فستكون هذه أول فترة ركود اقتصادي تستمر ثلاث سنوات في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية. وأشار مسؤولون إلى التعريفات الجمركية الأمريكية باعتبارها عاملا رئيسيا في هذا التراجع.

ويُقدّر معهد الاقتصاد الألماني أنه إذا استمرت التعريفات الجمركية الحالية حتى عام 2028، فقد تصل التكلفة التراكمية المستحقة على ألمانيا إلى 290 مليار يورو (نحو 325.48 مليار دولار أمريكي)، أي ما يعادل حوالي 1.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

ويحذر التقرير من أن هذه السياسات الجمركية تبدو كمحفزات لتعطيل الاقتصاد العالمي، ما يؤدي إلى تآكل الثقة في الاستثمار وإعاقة التطور المنسق للأنظمة الصناعية على مستوى العالم.

ويضيف سيمون بقوله: "يجري الآن تأجيل أو إلغاء العديد من استثمارات الشركات. وعندما تتوقف الشركات عن التوسع وتبدأ في الانتظار، فإن ذلك يخلق سلسلة من ردود فعل قد تتحول إلى عبء شامل".

-- الترابط والمخاطر

رغم تصاعد التوترات، لا تزال العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وألمانيا قوية. ففي عام 2024، شكلت الولايات المتحدة 10.4 بالمئة من صادرات ألمانيا، وهو أعلى معدل منذ عام 2002. كما سجلت ألمانيا فائضا تجاريا قياسيا مع الولايات المتحدة بلغ 69.8 مليار يورو العام الماضي.

لكن مديرين تنفيذيين ألمان يحذّرون من أن السياسات التجارية غير المتوقعة تقوّض الثقة في النظام التجاري العالمي القائم على القواعد. ففي عالم تترابط فيه سلاسل الإمداد بشكل وثيق، فإن التغيرات المفاجئة لا تؤدي فقط إلى تعطيل العمليات، بل تهدد أسس التعاون الصناعي طويل الأجل.

ويكون الأثر أشد بشكل خاص على شركات التصنيع متوسطة الحجم مثل "تورنادو"، التي غالبا ما يُطلق عليها لقب "العمود الفقري" للاقتصاد الألماني. وعلى عكس الشركات العالمية متعددة الجنسيات، لا يمكن لهذه الشركات أن تنقل عملياتها بسهولة أو تمتص الصدمات الجيوسياسية. وتعتمد قدرتها التنافسية على بيئات عمل مستقرة، واستثمارات طويلة الأجل، وشبكات إمداد متكاملة على نحو عميق.

وفي ظل هذا الوضع الراهن، تواجه ألمانيا تحديا كبيرا للدفاع عن مبادئ السوق المفتوحة، وإعادة بناء الثقة الصناعية، ودعم قطاعها التصنيعي في عالم بات فيه اليقين الاقتصادي صعب المنال على نحو متزايد.

وفي الوقت الذي تدافع فيه الولايات المتحدة عن "تعريفاتها الجمركية المتبادلة" باعتبارها مسألة تتعلق بالنزاهة، يرى منتقدون أن هذا النهج يعطي الأولوية للمكاسب الوطنية على حساب الاستقرار العالمي. وقد تكون النتيجة عكسية، إذ يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، وفي نهاية المطاف، إلى الإضرار بالمستهلكين الأمريكيين أيضا.

صور ساخنة