غزة 7 مايو 2025 (شينخوا) في ورشة بدائية أقيمت وسط أنقاض الأبنية غرب مدينة غزة، يحاول عدد من الفلسطينيين تحويل نفايات البلاستيك إلى وقود، في مسعى لتجاوز النقص الحاد في المحروقات الناتج عن إغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين.
سعد الدين أبو عجوة (45 عاما) نازح من حي الشجاعية، قال لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنه أنشأ هذه الورشة بالتعاون مع أقاربه وأصدقائه، معتمدا على أدوات يدوية ومواد خام يجري جمعها من بين الركام.
-- صهر نفايات البلاستيك
وخلال عمله على تحريك مواد منصهرة داخل حاوية معدنية تنبعث منها حرارة شديدة ودخان كثيف، شرح آلية الإنتاج قائلاً "نجمع البلاستيك من بين الأنقاض، نكسّره ثم نضعه في حاويات معدنية ضخمة، نشعل النار أسفلها لتبدأ عملية التذويب، وينتج عنها شحم ثقيل نعيد تسخينه لاستخلاص البنزين أولاً، ثم السولار".
تنتج الورشة نحو 500 لتر من السولار يوميًا، يُباع مباشرة للسكان الذين يصطفون للحصول على كميات تمكنهم من تشغيل مركباتهم أو مولداتهم الكهربائية أو معدات حيوية أخرى.
وأكد أبو عجوة أن الهدف الأساسي ليس الربح، بل الاستجابة لحالة الطوارئ قائلا "منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر، لم يعد الوقود يصل إلى غزة، نعتمد عليه لتشغيل المستشفيات، ومحطات التحلية، وسيارات الإسعاف، وحتى التوكتوك، اضطررنا لهذا الحل رغم المخاطر، فقط لضمان الحد الأدنى من استمرار الحياة".
ومع تزايد الإنتاج، بدأت كميات البلاستيك القابلة للتدوير بالنفاد، وأضاف أبو عجوة "نبحث الآن في الشوارع والمنازل المدمرة عن أي بقايا بلاستيكية، لكن الكميات تتناقص بشكل مقلق. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، سنضطر للتوقف عن العمل".
-- سولار مصنع من النفايات
أبو ماجد سكر (38 عاما) سائق توكتوك، يرتاد الورشة يوميًا للحصول على السولار الصناعي، قال لـ((شينخوا)) إن "غياب مادة السولار فاقم معاناتنا اليومية، حتى لو توفر، فإن سعر اللتر يصل إلى 70 دولارا، وهو رقم خارج قدراتنا، أما السولار الصناعي فيكلف نحو 14 دولارا للتر، وهذا ما يسمح لي بمواصلة العمل".
وأوضح أن بعض السيارات القديمة يمكنها العمل بالكامل على السولار المصنع، بينما يضطر أصحاب السيارات الحديثة إلى خلطه مع السولار التجاري لتقليل الأضرار على المحرك.
وأضاف "لولا هذا الوقود، لعدنا لاستخدام العربات التي تجرها الحمير، الرحلة التي تستغرق ساعة اليوم، كانت ستستغرق أربع ساعات أو أكثر".
وأشار إلى أن الوقود المصنع خفّض من تكاليف النقل، قائلا "أجرة الراكب كانت قد تصل إلى 14 دولارًا مع السولار الإسرائيلي، لكنها الآن لا تتجاوز 2.5 دولار، هذا مبلغ معقول في ظل الغلاء الفاحش".
واستدرك قائلاً لكننا نعلم أن هذا حل مؤقت، عندما ينفد البلاستيك، سيتوقف كل شيء. لا طعام، لا ماء، لا حركة.
-- تكلفة بيئة وصحية عالية
ورغم ما يتيحه الوقود المصنع من حلول مؤقتة، إلا أن له تكلفة صحية وبيئية عالية، محمد العرابيد أحد العاملين في الورشة قال لـ((شينخوا)) إن "الدخان الأسود يملأ الهواء، كثير منّا يعاني من مشكلات تنفسية، وبعض الزملاء بدأوا يسعلون دمًا، لا معدات وقاية، لا كمامات ولا قفازات، أجسادنا تعرضت لحروق".
وأضاف "لكن لا خيار آخر، لا عمل سوى هذه المجازفة اليومية".
ورأى العرابيد أن عملهم يحمل بعدًا إنسانيًا، وقال تخيل انقطاع الكهرباء عن مستشفى فيه مرضى بالعناية المركزة، أو توقف محطة تحلية مياه، هذا السولار الصناعي يمنح الناس فرصة للبقاء على قيد الحياة ولو جزئيًا.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا على القطاع، ومنعت دخول الوقود والكهرباء والمواد الغذائية لأشهر، ورغم السماح بإدخال كميات محدودة في نوفمبر الماضي بعد هدنة إنسانية، إلا أن تلك الكميات بالكاد كفت احتياجات المستشفيات والدفاع المدني، بحسب مصادر محلية.
واستخدمت إسرائيل منذ ذلك الحين سياسة التنقيط في إدخال الوقود، كما أوضح محمود بصل الناطق باسم الدفاع المدني في تصريح لـ((شينخوا)).
وأضاف "لكنها منعت إدخاله بشكل تام منذ الثاني من مارس الماضي، ما تسبب بأثر كارثي على الوضع في غزة".
وتفيد تقارير أممية بأن كميات الوقود التي دخلت غزة منذ اندلاع الحرب ظلت محدودة جدًا، وخصصت في معظمها للمرافق الطبية عبر منظمات إنسانية مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والصليب الأحمر، في المقابل، بقيت محطات الوقود مغلقة، وارتفعت أسعار الوقود في السوق السوداء إلى أكثر من 60 دولارًا للتر.
-- حالة من اليأس
وأمام هذه الأزمة، دعت منظمات إنسانية إلى فتح المعابر فورًا، وقالت الأونروا في بيان سابق إن استمرار إغلاق المعابر يهدد بكارثة إنسانية، مع اقتراب نفاد الوقود والمساعدات الطبية والغذائية.
وقال إسماعيل ثوابتة رئيس المكتب الإعلامي الحكومي لـ((شينخوا)) "ما نشهده اليوم في غزة هو سباق مع الزمن، الوقود المصنع من البلاستيك يعكس حالة اليأس، لكنه ليس حلاً دائمًا ولا يمكن ضمان سلامته الصحية أو البيئية".
ورغم التحديات، عبّر أبو عجوة عن فخره بما ينجزه فريقه، قائلا "نحن لا نصنع وقودًا فقط، نحن نحافظ على نبض المدينة، ما نقوم به يعكس إرادة الغزيين في الصمود، حتى على حافة الانهيار".
وأضاف "نحن بحاجة إلى أن يسمعنا العالم، أن يفتح المعابر ويدخل الوقود والمساعدات، وحتى يتحقق ذلك، سنواصل البحث عن الحياة بين الأنقاض، مهما كانت الكلفة".