القاهرة 28 أبريل 2025 (شينخوا) أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول ضرورة السماح لسفن الولايات المتحدة بالمرور مجانا من قناة السويس، ردود فعل غاضبة في مصر، ذهبت إلى وصف هذه التصريحات بأنها تمثل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين، وتستند إلى مفاهيم غير قانونية وتجاهل صارخ للقانون الدولي.
وقال ترامب في تدوينة على منصة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، إنه "يجب السماح للسفن الأمريكية العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانا عبر قناتي بنما والسويس.. هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا، لولا الولايات المتحدة الأمريكية"، مضيفا أنه طلب من وزير الخارجية ماركو روبيو "التعامل فورا مع هذا الوضع".
وأكد خبراء مصريون أن تصريحات ترامب حول قناة السويس من شأنها أن تقوض النظام القانوني الدولي وتخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار العالمي، فيما صب مصريون عبر منصات التواصل الاجتماعي جام غضبهم على الرئيس الأمريكي واعتبروا تصريحاته نوعا من "البلطجة" و"الابتزاز".
- تصريحات ترامب تهدد السلم والأمن الدوليين
وشدد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، على أن تصريحات ترامب حول الممرات المائية الدولية خاصة قناة السويس تمثل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين والنظام العام الدولي، لافتا إلى أنها تستند إلى مفاهيم غير قانونية وتجاهل صارخ للقانون الدولي، مما يقوض الأسس التي يقوم عليها النظام العالمي.
وقال سلامة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن مزاعم ترامب بأن سيطرة الولايات المتحدة على الممرات المائية ضرورية لحرية التجارة، يتعارض مع مبدأ حرية الملاحة المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، منوها إلى أن هذه الاتفاقية تضمن حق جميع الدول في المرور عبر الممرات المائية الدولية دون عوائق غير قانونية.
ونوه إلى أن أطروحات ترامب تتجاهل سيادة الدول الساحلية على مياهها الإقليمية ومضايقها، وما يمثله هذا التدخل في الشؤون الداخلية للدول من تعارض مع مبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن ترامب يتجاهل المعاهدات الدولية القائمة التي تنظم استخدام الممرات المائية، مثل اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 بشأن قناة السويس، مؤكدا أن هذا التقويض للمعاهدات الدولية يضعف النظام القانوني الدولي ويخلق حالة من عدم اليقين.
-- تقويض النظام القانوني الدولي
كما حذر الدكتور أيمن سلامة، من أن تجاهل ترامب للقانون الدولي قد يدفع إلى تقويض النظام القانوني الدولي، مما يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
وطالب الخبير المصري المجتمع الدولي بالاتحاد في مواجهة هذه التهديدات والدفاع عن النظام القانوني الدولي، واتخاذ خطوات حازمة لحماية الأسس التي يقوم عليها السلم والأمن الدوليين.
-- اتفاقيات دولية تضمن حرية الملاحة
من جانبها، أكدت الدكتورة سماء سليمان وكيل لجنة الشؤون الخارجية والعربية والإفريقية بمجلس الشيوخ المصري (البرلمان)، أن قناة السويس ممر مائي دولي يخضع لاتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888، والتي تضمن حرية الملاحة لجميع السفن دون تمييز، في إطار احترام السيادة المصرية الكاملة على القناة.
وقالت سماء سليمان، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن مصر هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تأمين قناة السويس وحمايتها، وأثبتت عبر التاريخ، وفي مختلف الظروف الإقليمية والدولية، قدرتها الكاملة على ضمان أمن وسلامة الممر الملاحي دون الحاجة لأي تدخل خارجي.
وشددت على أن الإيرادات المتحققة من رسوم عبور القناة تعد مصدرا سياديا مشروعا لدعم الاقتصاد الوطني وخدمة المواطن المصري، ولن تقبل الدولة المصرية المساس به تحت أي ذريعة أو مبرر.
وأضافت أن تصريحات ترامب تتعارض مع قواعد القانون الدولي، وتمثل تدخلا غير مبرر في شؤون دولة ذات سيادة، وتتنافى مع مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول.
وشددت النائبة المصرية على أن قناة السويس ستظل تحت الإدارة الكاملة للدولة المصرية، وأنها لن تخضع لأي ابتزاز أو محاولة فرض أمر واقع من أي طرف كان.
-- السياسات الأمريكية وراء عدم الاستقرار بالشرق الأوسط
ونوهت وكيل لجنة الشئون الخارجية والعربية والإفريقية بمجلس الشيوخ المصري، إلى أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية غير العادلة في القضية الفلسطينية، هي السبب المباشر لحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت أن سياسات واشنطن تسببت في ضرر قناة السويس والاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة فشلت حتى الأن في القضاء على الحوثيين في اليمن، مما يعني استمرار الخسائر للاقتصاد المصري.
وبسبب التوترات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، انخفض عدد السفن العابرة من قناة السويس بنسبة 50% لتصل إلى 13213 سفينة خلال عام 2024.
كما تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 61% لتسجل 3.991 مليار دولار العام الماضي، وفق تصريحات لرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع.
-- رفض لتصريحات ترامب
وهاجمت الأحزاب السياسية المصرية بشدة تصريحات ترامب، فقال سيد عبد العال، رئيس حزب التجمع، إن هذه التصريحات ليست مجرد خطاب استفزازي فارغ، لكنها تكشف عن عقلية استعمارية بغيضة.
وأوضح عبد العال، في بيان، أن رسوم القناة عادلة، ويتم تحديدها وفق معايير دولية، دون تمييز بين سفينة وأخرى، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تفرض شروطا استثنائية، ولا يمكن التعامل مع تصريحات ترامب إلا باعتبارها استعمارا اقتصاديا بثوب جديد.
فيما قال الحزب الاشتراكي المصري في بيان، إنه يرفض بشكل قاطع المزاعم الباطلة التي يتجاهل فيها ترامب حقائق التاريخ، مؤكدا أن قناة السويس تم حفرها بدماء المصريين دون أي دور للولايات المتحدة، التي كانت منشغلة بحروبها الداخلية وقتئذ.
وحذر البيان من خطورة هذه التصريحات، خاصة في ظل تسريبات سابقة لنائب الرئيس الأمريكي جيمس فانس، التي كشفت عن محادثات حول تحميل مصر تكاليف الضربات الأمريكية في اليمن مقابل إعادة فتح الممرات البحرية، وهو ما وصفه الحزب بـ الابتزاز والوقاحة .
وعبر تحالف الأحزاب المصرية الذي يضم 42 حزبا، في بيان، عن استهجانه واستيائه من تصريحات ترامب، بشأن قناة السويس، مؤكدا أنها تعبر عن جهل بالتاريخ.
وقال الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، النائب تيسير مطر، ووكيل لجنة الصناعة في مجلس الشيوخ، إن حديث ترامب يخالف المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي التي تنظم حركة الملاحة عالميا، ولاسيما معاهدة القسطنطينية لعام 1888، التي تنظم حرية الملاحة في قناة السويس، وتضمن حرية المرور للسفن التجارية والعسكرية في القناة، إلا تلك التابعة لدول في حالة حرب مع مصر.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة هجوما حادا وانتقادات لاذعة امتزجت بالسخرية في تصريحات الرئيس الأمريكي خاصة ردا على قوله بأنه "لولا الولايات المتحدة لم تكن لتوجد قناة السويس"، مؤكدين أن قناة السويس تم حفرها وتشغيلها قبل أن توجد الولايات المتحدة نفسها، متهمين إياه بـ "البلطجة" والابتزاز" و"الجهل بالتاريخ".
يشار إلى أن حفر قناة السويس استغرق 10 سنوات من عام 1859 وحتى عام 1869، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون مواطن مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف عامل أثناء عملية الحفر، وتم افتتاح القناة عام 1869 في عهد الخديوي إسماعيل .