أثار إعلان أحد رؤساء البلديات الأمريكية مؤخرا عن نيته التبرع بالفنتانيل مجانًا للمشردين موجة واسعة من الجدل، كاشفا مجددا عن عمق الأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة في مكافحة هذه المادة القاتلة. وعلى الرغم من أن جذور أزمة الفنتانيل كامنة داخل المجتمع الأميركي نفسه، إلا أن الولايات المتحدة خيرت مرارا تحميل المسؤولية للصين، واتخذت من ذلك ذريعة لفرض رسوم جمركية إضافية على الصادرات الصينية. وهذا النهج القائم على "تصدير الأزمات الداخلية" لا يسهم في معالجة المشكلة، بل يزيد من تقويض أسس التعاون الثنائي في مكافحة المخدرات.
حتى اليوم، لم تعتمد الولايات المتحدة تصنيفًا دائمًا للفنتانيل ضمن فئة موحدة، كما تأخرت بشكل ملحوظ في تنفيذ التدابير التنظيمية اللازمة، مما أدى إلى تفاقم أزمة الإدمان وانتشار تعاطي المخدرات. وبينما لا تمثل الولايات المتحدة سوى أقل من 5% من سكان العالم، فإنها تستهلك قرابة 80% من المواد الأفيونية المتوفرة عالميًا، لتتحول إلى "ثقب أسود" يبتلع الجهود الدولية لمكافحة المخدرات.
وتؤكد بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن عام 2023 قد شهد وفاة نحو 75 ألف شخص بسبب الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية الاصطناعية، وعلى رأسها الفنتانيل، وهو ما يمثل حوالي 70% من إجمالي الوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة، ليصبح الفنتانيل السبب الأول للوفاة بين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا.
وأمام تفاقم هذا "التهديد الأخطر في تاريخ البلاد"، أخفقت الحكومة الأميركية في اتخاذ إجراءات فعالة على جبهات عدة: من خفض الطلب الداخلي، إلى تشديد الرقابة على الوصفات الطبية، مرورا بتعزيز التوعية بمخاطر الإدمان. حيث كشف استطلاع أجرته مؤسسة فكرية أميركية أن غالبية المواطنين يحمّلون عصابات المخدرات، والمتعاطين، والحكومة ذاتها، مسؤولية تفشي أزمة الفنتانيل. فيما أشارت مجلة "ذا أتلانتيك مونثلي" إلى أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب تغييرات عميقة في السياسات العامة، ونظام إنفاذ القانون، والمعايير القضائية.
في المقابل، تتمسك الصين بسياسة "صفر تسامح" تجاه المخدرات بكافة أنواعها، بما في ذلك المواد الشبيهة بالفنتانيل، وتلتزم بمسؤولياتها الدولية التزامً راسخا. وفي مارس من هذا العام، أصدرت الصين "الكتاب الأبيض بشأن سيطرتها على المواد الشبيهة بالفنتانيل"، الذي استعرض جهودها المكثفة وتجاربها المبتكرة في مكافحة هذه الآفة. وعلى الرغم من غياب حالات الإساءة الواسعة لهذه المواد داخل الصين، فقد بادرت في عام 2019، استجابة لطلب أميركي وبروح إنسانية، إلى إدراج المواد الشبيهة بالفنتانيل ضمن فئة كاملة، لتكون بذلك أول دولة في العالم تتخذ هذه الخطوة الحاسمة. وأقرت وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها بأن هذه الإجراءات أدت إلى انخفاض حاد في تدفق الفنتانيل ونظائره من الصين إلى الولايات المتحدة.
ويشكل التعاون في مكافحة المخدرات محورًا رئيسيًا في علاقات إنفاذ القانون بين البلدين. وقد أسست الصين والولايات المتحدة في عام 2024 مجموعة عمل مشتركة لتعزيز التعاون في هذا المجال، حيث جرت عدة تبادلات فنية لاستكشاف حلول تقنية مشتركة لمواجهة تحديات الفنتانيل.
غير أن قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على الصين بذريعة أزمة الفنتانيل يعد خرقا صارخا لقواعد منظمة التجارة العالمية. وقد عبرت الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها القاطعة لهذه الإجراءات، مؤكدة أنها ستدافع بقوة عن حقوقها ومصالحها المشروعة.
ويعد موقف الصين في التعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة المخدرات واضح وثابت: فهي تدعو إلى الحوار القائم على المساواة والاحترام المتبادل، وتحث الجانب الأميركي على احترام الحقائق، ومواجهة مشكلاته بجدية، واتخاذ خيارات عقلانية تخدم مصالحه الحقيقية، بدلًا من استغلال قضية الفنتانيل كأداة للضغط السياسي والابتزاز.