الصفحة الرئيسية >> العالم

مقالة: كيف غير مؤتمر باندونغ مسار الجنوب العالمي

/مصدر: شينخوا/   2025:04:22.09:29

بكين 21 أبريل 2025 (شينخوا) في أبريل 1955، اجتمع مندوبون من 29 دولة آسيوية وإفريقية في باندونغ، إندونيسيا، لحضور المؤتمر الآسيوي-الإفريقي التاريخي، المعروف أيضا باسم مؤتمر باندونغ. وكان الاجتماع بمثابة صحوة لذلك الجزء من العالم الذي بات يعرف فيما بعد باسم "الجنوب العالمي".

وعلى مدار 70 عاما، شق الجنوب العالمي، متبعا روح باندونغ المتمثلة في "التضامن والصداقة والتعاون"، طريقا مستقلا للتقدم الجماعي -- من التخلص من الحكم الاستعماري إلى السعي نحو تحقيق التنمية المشتركة وإعادة تشكيل النظام الدولي.

-- من النهب الاستعماري إلى صحوة السيادة

في نوفمبر 2021، أعد متحف كواي برانلي الفرنسي 26 قطعة أثرية لإعادتها إلى دولة بنين الواقعة في غرب إفريقيا، وهي لحظة مؤثرة صورها فيلم "داهومي" الوثائقي الحائز على جائزة الدب الذهبي في الدورة الـ74 لمهرجان برلين السينمائي.

نُهبت هذه القطع الأثرية في تسعينيات القرن الـ 19 من قصر بهانزين في مملكة داهومي، بنين حاليا، على يد الفرنسيين الذين استعمروا المملكة لاحقا.

من القرن الـ15 فصاعدا، وسعت القوى الغربية نطاق حكمها الاستعماري عبر آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وبحلول أوائل القرن العشرين، هيمن النظام الاستعماري الإمبريالي على جميع الأراضي الآسيوية والإفريقية تقريبا، مجردا بلدان الجنوب العالمي من سيادتها وناهبا لمواردها ومفتتا لثقافاتها ومفككا لمجتمعاتها.

وقد وحد المؤتمر الآسيوي-الإفريقي عام 1955، مستثنيا القوى الاستعمارية الغربية، الدول الآسيوية والإفريقية المستقلة حديثا في نضالها ضد الإمبريالية. وأرسى المؤتمر مبادئ مثل احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ألهمت هذه الروح حركات الاستقلال في جميع أنحاء العالم. ففي عام 1960، تخلصت 17 دولة إفريقية من الحكم الاستعماري، وتم الاحتفال بهذا العام كـ "عام إفريقيا". كما مررت الأمم المتحدة "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة".

ولطالما دعمت الصين بلدان الجنوب العالمي. ففي سبعينيات القرن الماضي، حشدت الصين 50 ألف عامل لبناء خط سكة حديد بين تنزانيا وزامبيا بطول 1860 كيلومترا. وكانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة ودعمتها. كما حصل نضال الأمير نورودوم سيهانوك من أجل استقلال كمبوديا على دعم قوي من الصين.

دفع هذا التضامن دول الجنوب العالمي إلى مساعدة الصين على استعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة عام 1971. وكما ذكر الدبلوماسي الجزائري السابق نور الدين جودي، كان ذلك انتصارا للعدالة.

-- من الهامش إلى محرك النمو

في ثمانينيات القرن الماضي، أصدرت اللجنة المستقلة المعنية بقضايا التنمية الدولية، برئاسة مستشار ألمانيا الغربية سابقا ويلي براندت، تقريرا بعنوان "الشمال-الجنوب: برنامج من أجل البقاء". وباستخدام نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمقياس رئيسي، قسم التقرير العالم تقريبا إلى نصفين على خريطة: الشمال الثري فوق الخط، والجنوب الفقير تحته.

كشف "خط براندت" عن التهميش الاقتصادي للجنوب العالمي وتفاوتات التنمية العالمية. لأجيال، اقتصرت الدول النامية على توفير العمالة والمواد الخام الرخيصة، بينما سيطرت القوى الغربية على توزيع الموارد ووضع القواعد.

وقد فتح مؤتمر باندونغ حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي الجنوبي-الجنوبي. ودعا قراره بشأن التعاون الاقتصادي إلى تعاون اقتصادي بين الدول الآسيوية والإفريقية، وإلى نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلا.

وفي عام 1962، اجتمع ممثلون من الدول النامية في القاهرة وطالبوا بالعدالة التجارية. وفي عام 1964، تشكلت مجموعة الـ77 قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للتجارة والتنمية. وعقدت مجموعة الـ77، وهي تحالف من الدول النامية، أول اجتماع وزاري لها عام 1967، حيث وضعت مفاهيم رئيسية مثل "البلدان الأقل نموا" وصاغت مبادئ التعاون الجنوبي-الجنوبي.

ويستمر هذا الزخم حتى اليوم، حيث تعزز مجموعات إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي ورابطة دول جنوب شرق آسيا ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، التضامن فيما بينها، بينما يشير توسع مجموعة البريكس وإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى تكامل أقوى بين بلدان الجنوب.

وكمناصرة لروح باندونغ، لطالما دعمت الصين حقوق بلدان الجنوب في التنمية. وقد أتاحت مبادرات مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد التابع للبريكس تمويلا جديدا للاقتصادات الناشئة. ووسعت مبادرة الحزام والطريق نطاق الارتباطية، ما ولّد فرصا عبر الدول الشريكة.

ويشكل الجنوب العالمي اليوم أكثر من 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويحرك 80 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي. تحولت هذه البلدان من كونها مجرد بلدان هامشية في الاقتصاد العالمي إلى محرك النمو الأكثر ديناميكية للاقتصاد العالمي.

-- من الهيمنة الغربية إلى الحوكمة العالمية

جمعت روح باندونغ دول الجنوب العالمي، وطرحت تساؤلات صريحة حول هيمنة الغرب على الشؤون العالمية. وبعد عقود من الجهود التي بذلها الجنوب العالمي، بدأت تغييرات حقيقية في الحدوث.

برزت آلية البريكس الموسعة كمنصة محورية للتضامن الجنوبي. ودعت قمة الجنوب الثالثة لمجموعة الـ77+الصين إلى نظام اقتصاديٍ ومالي أكثر شمولا وإنصافا. وتعزيزا لهذا التوجه، شهدت قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي في 2024 اتحاد الصين و53 دولة إفريقية في سبيل تعزيز النزاهة والعدالة الدوليتين. وأشاروا معا إلى تحول نحو الحوكمة العالمية بمشاركة الجنوب العالمي.

واسترشادا بروح باندونغ، دأبت الصين على دعم الدول النامية في تقديم مساعدات التنمية وتعزيز التكامل الإقليمي وتعميق التعاون الجنوبي-الجنوبي.

وبصفتها عضوا طبيعيا في الجنوب العالمي، قدمت الصين مساعدات إنمائية لأكثر من 160 دولة ودخلت في شراكات مع أكثر من 150 دولة في إطار مبادرة الحزام والطريق. كما أنشأت صندوق التنمية العالمية والتعاون الجنوبي-الجنوبي وشاركت في تأسيس مبادرة التعاون الدولي في العلوم المفتوحة واقترحت خطط العمل الـ 10 للشراكة بين الصين وإفريقيا.

تتوافق رؤية الصين لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، إلى جانب مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، مع سعي بلدان الجنوب العالمي نحو تحقيق السلام والتنمية والعدالة. وتستمد هذه الأفكار جذورها من روح باندونغ، وتقدر التعاون المربح للجميع على الهيمنة، وتظهر التطلعات الجماعية للدول النامية.

وقد أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن هذا التضافر بقوة في مؤتمر الذكرى الـ70 لطرح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في يونيو الماضي، حيث قال "من بين جميع قوى العالم، يبرز الجنوب العالمي كقوة تتمتع بزخم قوي".

وقال شي إنه يتعين على الجنوب العالمي أن يكون أكثر انفتاحا وأكثر شمولا وأن يتكاتف معا لأخذ زمام المبادرة في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

صور ساخنة