غزة 6 نوفمبر 2024 (شينخوا) على غير عادتها، بدت الأسواق وسط وجنوب قطاع غزة الساحلي الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة، فارغة من الزبائن والبائعين الذين كانوا يتنافسون لبيع بضاعتهم المعروضة بمبالغ "باهظة".
ولليوم الثاني على التوالي توقفت حركة البيع والشراء بشكل كامل بعدما بدأ السكان إضرابا شاملا عن الأسواق احتجاجا على احتكار التجار للبضائع وبيعها بأسعار "مجنونة" كما يصفها السكان المحليون في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية للشهر الثالث عشر على التوالي.
وجاء الإضراب بناء على دعوات شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعدم شراء أي من المنتجات التي قد يتم عرضها في الأسواق بأسعار باهظة.
ولاقت تلك الدعوات استجابة بين جموع الفلسطينيين الذين يعانون ويلات الفقر والعوز والحرب.
وفي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بدا الشارع الرئيسي الذي يربط غرب المدينة بشرقها فارغا دون أي حركة شرائية ودون أي ازدحام للنازحين.
وقال محمد عامر (39 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه يشارك في الإضراب وقد طلب من أشقائه وجيرانه ضرورة الالتزام به لوقف الاحتكار والأسعار المرتفعة.
وأضاف أنه "قبل عدة أيام فقط، كان السوق يكتظ بالزبائن الذين كانوا يحاولون شراء السلع الأساسية لأسرهم، ولكنهم غالبا كانوا يعودون دون الحصول على أي شيء بسبب غلاء الأسعار التي حرمتنا من إحضار الطعام لأطفالنا".
وتابع عامر، الذي نزح من مدينة غزة قبل عام إلى دير البلح بينما بدت عليه علامات الغضب "منذ أكثر من شهر ونحن نعاني من قلة المواد والسلع الغذائية بسبب احتكار التجار وعدم وجود رقابة".
وأردف عامر، وهو أب لثلاثة أطفال، "لقد شاهدنا بأعيننا شاحنات البضائع والخضار التي دخلت إلى جنوب القطاع خلال الأيام الأخيرة، ولكن هذه البضائع لم تنزل الأسواق، بل بقيت في مخازن التجار ليتلاعبوا بالأسعار".
ويتذكر الرجل الثلاثيني أن الأسعار ترتفع بشكل جنوني يوما بعد يوم، حتى أصبح من الصعب شراء المواد الأساسية مثل الطحين والسكر والأرز التي تضاعفت أسعارها ثلاث مرات.
وقال تقرير نشره البنك الدولي في شهر سبتمبر الماضي إن سكان قطاع غزة يعانون من الفقر مع بلوغ نسبته 100 بالمائة وان التضخم تجاوز بنسبة 250 بالمائة مع استمرار الحرب.
وأشار التقرير الذي صدر بعنوان "التحديث الاقتصادي الفلسطيني" إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأراضي الفلسطينية انخفض بنسبة 35% في الربع الأول 2024، وهو الأعلى على الإطلاق.
ولم يختلف الحال كثيرا لدى يوسف مهنا، وهو نازح آخر في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، الذي يعاني الويلات قبل أن يتمكن من شراء بضعة أرغفة من الخبز لأطفاله أو حتى القليل من الطعام.
وقال مهنا (45 عاما)، وهو أب لسبعة أطفال، لـ ((شينخوا)) إن "التجار يتلاعبون بالأسعار بسبب عدم وجود أي رقابة عليهم في ظل غياب الدور الفعلي للشرطة والحكومة بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية".
وأضاف بنبرة حزينة "أطفالي يتضورون جوعا، لم يعد هناك ما يأكلونه إلا الخبز والشاي والزعتر فقط".
وتساءل بحسرة "كيف يريدوننا أن نكمل حياتنا ونحن نعاني الويلات من الفقر والجوع والمرض والخوف وعدم توفر أي مقومات الحياة .. ألا يكفينا القصف والدمار والرعب ليأتي التجار ليقتلوا من تبقى منا على قيد الحياة بسلاح التجويع".
وحمل كلا الرجلين إسرائيل المسؤولية عن تدهور الأوضاع في قطاع غزة بالإضافة إلى السلطات المحلية التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والتي فقدت السيطرة على الوضع الداخلي وعدم تمكنها من إجبار التجار على بيع السلع بالسعر الطبيعي والمنطقي.
من جانبها تتهم حماس الجيش الإسرائيلي بعرقلة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر وقصف مواكب تأمين شاحنات المساعدات والذي أسهم بانتشار اللصوص الذين يسيطرون عليها ويبيعونها بالأسواق.
في المقابل، تنفي إسرائيل اتهامات حماس وتقول إن عمليات سرقة المساعدات التي تتم عبر مسلحين فلسطينيين والذين تزعم أنهم يتبعون لحماس، هي ما تؤثر في كمية المساعدات التي تصل إلى الأسواق.
من جانبه، قال التاجر علي، والذي تحفظ عن الكشف على اسم عائلته، إن السبب في ارتفاع الأسعار هي الإتاوات (دفع المال بالإكراه) التي يتم دفعها لقطاع الطرق (اللصوص المسلحين) من أجل السماح بمرور الشاحنات إلى القطاع المحاصر.
وأضاف علي أن التاجر يضطر إلى دفع 5000 دولار أمريكي على كل شاحنة لقطاع الطرق المسلحين من أجل ضمان وصولها إلى مخازنه بسلام ومن ثم إنزالها إلى الأسواق.
وتابع "للأسف، بسبب الحرب نحن نعيش مأساة حقيقية في القطاع. الناس تتهمنا بالجشع والطمع والاحتكار في حين أن الحقيقة أننا نحن أيضا ضحية للصوص والوضع الأمني المتدهور فلا نستطيع تأمين بضائعنا ولا نستطيع أن نوقف التجارة لنتمكن على الأقل توفير بعض البضائع في قطاع غزة".
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا دموية واسعة النطاق في القطاع الساحلي ردا على الهجوم العسكري غير المسبوق لحماس على البلدات الإسرائيلية المجازة لقطاع غزة والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 آخرين.
وبالمقابل، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 43 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 100 ألف آخرين معظمهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وحذر برنامج الغذاء العالمي من تحول أزمة الغذاء في غزة إلى مجاعة، قائلا في بيان إن قطاع غزة بأكمله "معرض لخطر المجاعة" بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة التي تفاقم المخاوف وتعوق وصول المساعدات الإنسانية.
وأوضح البيان أن برنامج الغذاء العالمي لديه نحو 94 ألف طن من الأغذية في الأردن ومصر تكفي لإطعام مليون شخص لمدة تتراوح 4 شهور لكنه لا يستطيع إدخالها لغزة لأن نقاط الدخول المتاحة قليلة وبعضها الآخر غير آمن.