الصفحة الرئيسية >> التبادلات الدولية

مقالة: في ظل تطورات جديدة يعيشها الشرق الأوسط... الرؤى الصينية تقدم خيارات لدفع تحقيق المصالحة في المنطقة

/مصدر: شينخوا/   2024:10:17.16:25

بكين 17 أكتوبر 2024 (شينخوا) بعد اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، انقطعت موجة المصالحة في الشرق الأوسط، وبدا أن الوضع في المنطقة قد عاد إلى المسار القديم، حتى ظن البعض أن "حرب الشرق الأوسط السادسة" قد بدأت. ولكن بعد مرور عام على اندلاع الصراع، تكشفت في الشرق الأوسط ملامح نمط وموقف مختلفين تماما عن الصراعات السابقة. فقد بدأ يتشكل نظام جديد في الشرق الأوسط يحد من المواجهة ويسعى إلى إنشاء بنية جيوسياسية أكثر استقرارا. وخلال هذه الفترة الحرجة من إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي فى الشرق الأوسط، أظهرت الصين مسؤوليتها كدولة كبرى ودعت بشكل حثيث إلى حلول طويلة الأجل وعادلة ومعقولة للقضايا الساخنة في المنطقة. وتأتي الرؤى الصينية لتقدم خيارات تصب في صالح تحقيق المصالحة في الشرق الأوسط.

-- تغيرات وتطورات جديدة تعيشها بلدان الشرق الأوسط

بعد اندلاع جولة جديدة من الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، برزت انقسامات واضحة في مواقف مختلف دول الشرق الأوسط. فباعتبارهما دولتين مجاورتين لإسرائيل، تأثرت مصر والأردن بشكل كبير جراء تداعيات الصراع، حيث أعربتا عن رفضهما القاطع لتهجير اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، كما حذرتا من خطورة توسّع نطاق الحرب. أما دول الخليج العربية فتتبنى موقفاً متوازناً نسبياً في هذا الصراع، حيث تسعى للحفاظ على توازن موقفها تجاه إسرائيل وإيران التي تدعم حماس، متجنّبةً الانخراط المباشر في هذا الصراع.

في السنوات الأخيرة، تخلت دول الخليج العربية عن التفكير الإيديولوجي والصراع الطائفي، وركزت على بناء اقتصاداتها، وسعت إلى تحقيق بيئة داخلية وخارجية سلمية ومستقرة. لذا، فإن أولويتها تتمثل في حماية استقرارها الداخلي من أي تأثيرات قد تنجم عن الصراعات الخارجية. وفي خضم هذا الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تمسكت دول الخليج بموقف وسطي، حيث أدانت قتل المدنيين في غزة على يد الجيش الإسرائيلي، لكنها حافظت على علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما يعكس موقفًا عمليًا. وفي مواجهة الصراع بين إيران وحليفها حزب الله اللبناني وبين إسرائيل، دعت دول الخليج الجانبين إلى ممارسة ضبط النفس، وأعربت عن قلقها إزاء استمرار تداعيات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

أشار المحللون إلى أنه في الوقت الذي زادت فيه دول الخليج العربية من تعاونها مع إسرائيل، تجنبت إقامة تحالفات رسمية معها واتجهت إلى تنويع شراكاتها الدولية، معبرين عن اعتقادهم بأنه في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب علي نحو متزايد، من المحتم أن تصبح دول الخليج أكثر مرونة في عملية صنع القرار فيما يتعلق بالشؤون الأمنية والسياسية الخارجية.

من جهة أخرى، تحاول تركيا لعب دور أكبر في الشرق الأوسط. فهي تؤكد دعمها لفلسطين في هذا الصراع، ساعيةً إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية الأخرى. ورغم انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشديدة لإسرائيل، فقد أكد أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بالكامل "أمر غير ممكن، لا سيما على المستوى الدبلوماسي". وفي هذا الإطار، ذكر سون ده قانغ، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان في شانغهاي، أن موقف تركيا يعكس رغبتها في الحفاظ على تعاونها مع الغرب جنبا إلى جنب دعمها السياسي للقضية الفلسطينية.

أما إيران وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، فيعتبرون من القوى الحقيقية التي تدعم حماس. إلا أن الهجمات التي شنتها تلك القوى على إسرائيل كانت محدودة ومتواضعة. وفي هذا الصدد، ألمح سون ده قانغ إلى أن إيران وحلفاءها تبنوا إستراتيجية جديدة تقوم على حرب استنزاف طويلة الأمد ضد إسرائيل، حيث يسعون إلى تكثيف الضغط على إسرائيل باستخدام "إستراتيجية الغليان البطيء" لإرهاقها.

في الوقت نفسه، أعرب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن استعداد بلاده استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة. كما أشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الجاري إلى أن إيران تسعى لتحقيق السلام للجميع وليست لديها نية للصراع مع أي دولة، لكنه أكد أن إسرائيل تسعى لجر إيران إلى الصراع. ويرى بعض المحللين أن تغير موقف إيران يعكس رغبتها في تخفيف العقوبات الأمريكية وتحسين وضعها الاقتصادي الداخلي، ودعم الإصلاحات الداخلية.

من جهة أخرى، أشار عبد العزيز الشعباني، الباحث السعودي في مركز الرياض للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن دول الشرق الأوسط تشهد تحولاً تاريخيًا، حيث تمر بمرحلة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب بيئة سياسية مستقرة وآمنة. ورغم استمرار الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تبقى الرؤية لشرق أوسط جديد يسعى إلى الاستقرار والتنمية قائمة.

-- رؤى صينية تفتح آفاقا لتحقيق المصالحة في الشرق الأوسط

لقد طرحت الصين مفهوم "التنمية السلمية والتعاون المربح للجميع"، وهو مفهوم يمثل خيارًا إيجابيًا يتناسب مع احتياجات دول الشرق الأوسط كما لاقى استجابة كبيرة منها. وفي هذا الصدد، أشار الخبراء إلى أنه مع نجاح بكين في التوسط بين السعودية وإيران، زاد تأثير الصين في المنطقة، كما رأوا أن الصين، على عكس القوى الكبرى الأخرى، لا تعتمد على العقوبات الاقتصادية أو التهديدات العسكرية في سياستها الخارجية، بل تعتمد على الحوار العادل والتفاهم.

وسلط ليو تشونغ مين، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، الضوء على أن النهج الصيني تجاه مسألة إدارة الأمن في الشرق الأوسط يقوم على عدة مبادئ وهي: أولاً، تعتمد الصين في نهجها على مفهوم الأمن المشترك وليس الأمن الحصري، حيث تسعى إلى تعزيز الحوار بين دول المنطقة لحل الأزمات.

ثانيًا، تدعو الصين إلى مبدأ عدم تجزئة الأمن، والجمع بين الأمن التقليدي والأمن غير التقليدي، وكذا الجمع بين الأمن والتنمية من أجل تنفيذ سياسات شاملة وبناء هيكل أمني متوازن وفعال ومستدام، وهو أمر له أهمية كبيرة في حل المعضلة الأمنية بالشرق الأوسط، حسبما أضاف ليو.

وأخيرًا، تدعو الصين إلى مفهوم الأمن التعاوني وليس الأمن التنافسي، حيث تشجع دائما على البحث عن حلول من خلال الحوار السياسي الشامل لحل النزاعات في قضايا مثل القضية الفلسطينية والقضية النووية الإيرانية والأزمة السورية، هكذا أوضح ليو، لافتا إلى أن تلك المبادئ حظيت بقبول وتقدير كبيرين من جانب جميع الأطراف.

صور ساخنة